رسالة سعودیة الی الارهابیین اقتلوني ومالكاً

رسالة سعودیة الی الارهابیین اقتلوني ومالكاً
یحدثنا التاریخ أن عبدالله ابن الزبیر تقاتل مع الصحابي مالك بن الحارث النخعي الملقب بالأشتر في حرب الجمل، ولما شعر بأن مالكاً قریب من قتله أخذ یصیح باتباعه “اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي!”.. فحمل أصحاب الجمل وخلصوا ابن الزبير من قبضة مالك.. بالمناسبة كان الاشتر نخعیاً من الیمن ثم سكن العراق مع جیش الفتح!

یمكن قراءة الرسالة التي بعثت بها السعودیة للارهابیین في سوریا ولبنان وشفرتها “وقف الهبة التسليحية للجیش وقوی الأمن اللبناني”، بأن هستیریا آل سعود ستغرق المنطقة بسیل جدید من الدماء…

فالسعودیة تقول للارهابیین بشكل واضح، ان الأموال التي كنا نرید ان “نبعثرها” علی أمن حلفائنا في لبنان، سنرسلها لكم لتحرقوا حلفاءنا وشركاءهم في الوطن ـ على قاعدة: إقتلوني ومالكاً… ـ ما دام الحلفاء لا یستطیعون فعل شيء امام تیار المقاومة وحلفائه.. وهنا یرتعد حزب المستقبل ومن معه من السلفیین ویصل الهلع الی الحلیف الماروني سمیر جعجع!

هذه الهستیریا السعودیة لم تتوقف عند لبنان، بل تعدّت الحدود الاقلیمیة الی روسیا، عندما هدد عادل الجبیر الطائرات الروسیة العاملة في سوریا بصواریخ ارض ـ جو، علی غرار صواریخ “ستينغر” التي زودت بها المخابرات الأميركیة “المجاهدین” الافغان في مواجهة الغزو السوفیتي في ثمانينيات القرن الماضي..

والخطوة السعودية تهدف الى تعدیل موازین القوی في سوریا، لصالح من؟!.. المجموعات الارهابیة.

أما الأسباب التي دعت السعودیة لاتخاذ مثل هذا الاجراء والذي سیضر حلفاءها في لبنان بالدرجة الاولی ویدعم موقف معارضیها، اي تیار المقاومة الوطنیة والاسلامیة، الذي طالما اشارت قیاداته الی ان السعودیة لا تقدم شیئا للبنان إلاّ وتأخذ ما هو أهم وأكثر منه.. وان السعودیة ترید لبنان دولة تابعة لنظامها الاعرابي، تذهب به اینما تشاء كما تفعل مع نظام آل خليفة في البحرين و”إمارة قريطم” في لبنان، لانها ـ مثلاً ـ تسمح للبنانیین بالعمل في اراضیها (وشقیقاتها الخلیجیات) متناسیة ان اللبنانیین والسوریین والفلسطینیین والمصریین والعراقيين واليمنيين، هم من یدیرون شؤون وحیاة الدول الغارقة الی الآن في “بول البعیر” وأكل الضباب والجراد.. وان هؤلاء اللبنانیین واشقاءهم الذین ذكرنا، همّ من صنعوا بلداناً لجرذان الصحراء…

نسي الخلیجیون هذه المعادلة التي يعرفها كل العرب والعالم، وهي: ان “خلیجي – بترول = صفر!”.. وان العرب والعالم إنما یتحملونهم ويجاملون تخلفهم لأموال النفط التي في جيوبهم، لا حباً لا كرامة، وان الشرفاء ابناء الشعوب العربیة لا یساومون بذرة من كرامتهم، كل أموال الدنيا، وليس فقط أموال الذين يرون “بعر الأرآم كأنه حبّ فلفل”!

هم یستطیعون ان یشتروا بأموالهم أمثال حسني مبارك وزین العابدین بن علي وحسن عمر البشیر و”ملك جیبوتي!” و “إمبراطور جزر القمر!” وعبدالله الثاني ومرتزقة من كولومبیا والشیشان وبنغلاديش… لكنهم عاجزون من امام شموخ حسن نصر الله وأحمد ياسين ويحيى عياش وعماد مغنية وسمير قنطار وسليمان خاطر وخالد الاسلامبولي وعبد الملك الحوثي ومحمد سعيد البوطي وسليم الحص وعمر كرامي وميشيل عون وسليمان فرنجية ووئام وهاب وماهر حمود ونمر باقر النمر وعيسى سلمان… تذكروا دائما ان قائمة الشرفاء في هذه الامة طويلة، وان علا ضجيج “السفلة”!

أما الاسباب التي قطعت لاجلها السعودیة هبتها وهددت بسحب اموالها وقد ینتهي الامر بقطع العلاقات الدبلوماسیة مع لبنان لاحقا.. وهو الافضل للبنانیین، وقد تتبعها في ذلك الامارات والبحرین ایضا.. فانها كالتالي:

1. الانتقام من لبنان، لانه خرج تقریبا من تأثیر وهیمنة السعودیة علی قراره.. خاصة وان احتمالات انتخاب الجنرال میشیل عون للرئاسة بات اقرب من اي فترة مضت.

2. افشال التقارب بین التیار الوطني الحر (العماد عون) وحزب القوات اللبنانیة (جعجع) والابقاء علی لبنان غارقا في الفوضی، بعد بوادر تفاهم فرنسي – إيراني بترك اللبنانیین لیختاروا هم رئیسهم دون املاءات دولیة واقلیمیة..

حتی ما عرف بـ”مبادرة سعد الحریري” في التقارب مع النائب سلیمان فرنجیة، لم یكن هدفها رئاسة السید فرنجیة في الحقیقة، وهو المعروف بدفاعه وموقفه من الرئیس الأسد، عدو السعودية وتبعهم آل الحريري، بل كان الهدف هو افشال التقارب بین الحر والقوات.

فلو ان لبنان وزیر الخارجیة جبران باسل، أصبح شوكة “رسمیة” في وجه السعودیة، فكیف سیكون الوضع مع رئاسة العماد میشیل عون؟!

3. تأزیم الوضع الأمني علی الحدود السوریة – اللبنانیة، وهذا الامر یحتاج الی فوضی مبررة، اهمها رفع الغطاء الأمني عن حلفاء السعودي في لبنان، خاصة وان الوضع الاقلیمي مرشح للتصعید وقد وصلت الامور الی مرحلة “كسر العظم” بين الفرقاء…

ومن المؤكد ان هذا الاجراء منسق مع الجانب الصهیوني.. وقد یكون خطاب السید حسن نصر الله الذي عرفه الاسرائیلیون بخطاب “القنبلة النوویة” قبل ایام، كان استباقاً للاحداث وتحذیرا من مغبة حماقة صهیونیة جدیدة یحتمل ان مخططها أخذ بنطر الاعتبار الشراكة المتطورة مع نظام آل سعود والعرب المنبطحين…

4. مطالبة قیادات 14 آذار بموقف في مواجهة حزب الله، بل وتهدیدهم بما یمكن ان ینالهم من عقاب سعودي خلال الفوضی القادمة.. علی غرار ما حصل للرئیس رفیق الحریري، الذي لا اشك شخصیا بان من یقف وراء اغتياله هو الصهاینة والسعودیین (وكلاء الغرب في المنطقة).. والغریب ان التهدید والوعید السعودي جاء متقاربا مع الذكری الـ11 لاغتیال الحریري في منتصف فبرایر 2005.

5.  تخفیف من حدّة الأزمة التي یواجهها حلیفها الاستراتیجي (الرئیس التركي رجب طیب أردوغان) والذي یظهر انه سقط في مستنقع الحرب الاهلیة مع الاكراد..

هنا لاحظوا كیف ان العرب وأميركا یبیعون حلفائهم وان بعض الاغبیاء من حكام المنطقة لا یعتبرون بمن سبقهم، فقد سبق وان صرخ أردوغان بان أميركا تغرق المنطقة بالدماء.. وهو حلیفها الاساس في المنطقة وصاحب أكبر قوة بریة في الناتو بعد أميركا!

أردوغان الذي یری تبدد حلمه وفشل مشروعه في سوريا رغم الدمار الذي تسبب به، والذي لن تسمح له روسيا بتطبیقه ابدا.. أصبح كثیر الاعداء في الداخل والخارج، من جماعة غولن الی القومیین الاتراك، ثم الأكراد والحركات الیساریة، ولم یبق له سوی ان یؤجج 20 ملیون علوي ضده، لیكون سقوطه مدویا..

السعودیة من جانبها، تعیش ورطة حقیقیة، فهي مع انفصال الأكراد واقامة “الدولة الكردیة” في العراق، نكایة بالحكومة المركزیة في العراق التي یسیطر علیها الشیعة ولتبریر اقامة “سني ستان” في المناطق الغربیة، ضمن المشروع الصهیوني ـ الأميركي الذي تحدث عنه علانیة انور عشقي خلال لقائه بـ”دوري غولد”… لكنها ـ اي السعودیة ـ مضطرة الی مسایرة تركیا في حربها ضد الأكراد في تركیا وسوریا!

6. اعتقد ان بعض الاسباب لا دخل لها بالسیاسة والجغرافیا، بل بالأزمة النفسیة التي تعیشها القیادة السعودیة.. لقد فشلت في وقف الاتفاق النووي بين ايران و5+1، والغریب انها لا تزال تأمل في اعاقة تطبيقه!.. وفشلت في الیمن الذي أصبح كابوسا یستنزفها ویكلفها الكثیر سیاسیا وامنیا واقتصادیا، وزعزع سمعتها ومكانتها وكشف مستوى جيشها وقدراتها العسكرية.. فـ”النزهة السلمانیة” تحولت الی خسائر فاقت 200 ملیار دولار خلال سنة من الحرب، والتي لا یعلم الاّ الله متی ستتوقف، “فقد یكون الحوثیون مرتاحون لنتائجها وغیر مستعجلین بنهایتها ما دامت كابوسا للسعودیة وورطة هي أوقعت نفسها فیها”… ثم مؤامرة النفط التي لم تستطع ان تؤدي ما كان مؤملاً منها وهو الضغط علی روسیا وإيران والعراق، بالعكس كانت اضرار النظم الخلیجیة وفي مقدمتها السعودية نفسها، أكبر.. حتی صارت هي من یدعو الی رفع اسعاره وتقلیل انتاجه.. فیما ترفض إيران وروسیا والعراق ذلك!!

صراحة بهذا الوضع.. لماذا لا یجن “سلمان”؟!.. وهو الذي یعاني من حالة قریبة منه منذ ان طالت فترة “الخادمین” الذین سبقاه، أي فهد وعبدالله (1982ـ2015) وهو یعیش حلم “الخدمة” ويعاني كوابیس الاقصاء.. لذلك انتقم خلال سویعات من عبدالله وتركته وقلب المملكة رأسا علی عقب، وهذا معنى “سلمان الحزم!!”.

* علاء الرضائي