في أواخر العام 2014 قررت محكمة العدل الأوروبية رفع حركة حماس عن قوائم الإرهاب، ورغم أن "رئيس الكنيست الإسرائيلي" اعتبر وقتها أن أوروبا فقدت عقلها وهي تعاني من أزمة أخلاقية، إلا أن المفوضية الأوروبية اعتبرته قرارًا قانونيًا وليس سياسيًا. اللافت أن حماس اعتبرت القرار فتحًا مبينًا، حيث اعتبره اسماعيل هنية قرارًا من العيار الثقيل سياسيًا وقانونيًا، وأصدرت الحركة بيانات شكرٍ وإشادة بالعدالة الأوروبية. ولكن منذ ذلك الوقت لم يعرف المواطن الفلسطيني كيف ترجمت أوروبا قرارها الثقيل تجاه قضية فلسطين عمومًا وحركة حماس خصوصًا، إلا إذا كانت غطاءً قانونيًا لما وصفه القيادي في حماس الدكتور أحمد يوسف بالدردشات مع "إسرائيل" عبر وسطاء.
هذا المثال هو لتوضيح أسلوب التعامل مع هذه القوائم أيًا كان منشؤها في العقل الحمساوي، حيث تسعى حماس للخروج من هذه القوائم، فيما هي عمليًا لم تقم بما يدخلها فيها سوى أنها أعلنت نفسها حركة مقاومة لمحتل، فالخروج منها يتطلب إما تخليها عن مبدأ المقاومة والمسلحة تحديدًا، أو أنها تراهن على صحوة ضمير دولي تجاه قضيتها، وهذا رهانٌ ليس في إطار الضعيف بل هو خارج نطاق الاحتمالات برمتها، أو أنها تراهن على حلٍ سياسي عبر العراب التركي والقطري لتستكمل مشوار منظمة التحرير مع بعض التحسينات، وهذا رهانٌ قابل للوضع في خانة الاحتمالات. بينما حزب الله يتعامل مع هذه القرارات قائمها وقاعدها على مبدأ "بلوها واشربوا ميتها"، لأن الأمر لا يحتاج إلى كثير ذكاء لاكتشاف الأهداف المرجوة من هذه القوائم، فحزب الله يدرك أنه دون التخلي عن سلاحه الردعي في وجه "إسرائيل" سيظل على تلك القوائم، بل سيتم اختراع قوائم جديدة كلما تمسك بحقه بالدفاع عن بلاده. فلنتخيل مثلًا أن يقوم الحزب بالتخلي عن مصدر قوة لبنان لتصفق له أوروبا وأمريكا، ويتم استقبال السيد نصرالله في كل تلك العواصم على البساط الأحمر، ومع أول غضبة "إسرائيلية" يخرج السيد نصرالله في خطاب متلفز لمناشدة أوروبا وأمريكا بالتدخل لوقف العربدة الصهيونية، ويذكرهم بالذي مضى من حُمر البسط، وقد تكون أوروبا وأمريكا مشغولتين منهمكتين بولادة باندا جديدة مثلًا أو تخطي كائن آخر حافة الانقراض، وليس لديهما من الوقت ما يكفي للبنان وشعبه وإن بكى السنيورة أو قدم فتفت موائد الطعام بدل الشاي.
إذًا، فحين تكون حركة مقاومة تملك ذراعًا سياسيًا، فالأصل أن يكون مفهومك للسياسة على قاعدة أنها فن الحفاظ على الثوابت والحقوق وليس فن الممكن، وفن الممكن هذا يتطلب منطقة وسطى، وفي حالة المقاومة لا تكون هذه المنطقة إلا على حساب السلاح وبالتالي على حساب القضية، وحين قام مما يسمى بمجلس التعاون الخليجي بتصنيف حزب الله كتنظيمٍ إرهابي، هو حتى لم يطلب منه ممكنًا أو منطقة وسطى، بل يريد دمه الذي انتصر على سيف "إسرائيل"، هذا السيف الذي طالما أثكل العرب وعروبتهم، فهالهم كسره وهم من استمرأ شجّه وطعنه، وهذا ليس مستبعدًا من هؤلاء الأعراب الذين ما انفكوا يجاهرون بالعداء لكل من رفض سياسة التبعية، وتدرك حماس قبل غيرها أنهم لن يقدموا لقضيتها سوى فتات مالٍ مغمسٍ بالتسول والتنازلات. فإذا كانت المبادرة السعودية وهي ذروة الشرف السعودي لحل الصراع لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني، فما هو وكيف هو الشرف السري، الذي يعلنه الإعلام الصهيوني عن لقاءات وزيارات وتعاون بين "إسرائيل" والسعودية، وفيما نفت حماس مع بداية العدوان السعودي على اليمن- نفت الطلب أو نفت الالتزام به- طلب السعودية بإعارتها عناصر من حماس للمشاركة في العدوان، يقوم الإعلام الصهيوني بالتعبير عن إستعداد "حكومته" للقيام بمهمة حماية حدود المملكة، وهو فيما يبدو تمهيد للإعلان عن المشاركة "الإسرائيلية" في العدوان منذ يومه الأول.
إن القرار السعودي لن يقدم ولن يؤخر في التأثير على حزب الله، كما أن حزب الله وكما قال السيد نصرالله، لم يطلب ولن يطلب من أحد اتخاذ أي موقف، وإذا كان السيد نصرالله قد أعفى حلفاءه من الحرج فالتاريخ ليس بأخلاق السيد، فإذا كان السيد سِتّيرًا فالتاريخ فضَّاحٌ، كما هو حال الإعلام الصهيوني والإعلام النفطي الذي جعل من راشد الغنوشي منافقًا دجالًا لمجرد أنه ميَّز بين مقاومة الحزب للعدو الصهيوني وبين مواقفه في اليمن وسوريا. كما أنه ورغم صمت حماس عن اتخاذ موقف تجاه هذا القرار، فهي لم تسلم من دعوات إعلامية تطالب بإضافتها لقائمة الإرهاب، حيث اعتبر ذلك الإعلام وضع حزب الله على اللائحة واستثناء حماس قسمة ضيزى، فالسعودية لا تريد منها الصمت والحياد بل التأييد والتبريك، فيجب على حماس ان تدرك أن العلاقات "الإسرائيلية" السعودية لن تجعل لها موطئ قدم في ساحات الوغى، وأن سلاحها مهما دجنته الطموحات السياسية لن يكون مقبولًا، فإذا كانت حماس تعتقد بأن هذه العلاقات هي مجرد تكتيك سعودي فهي مخطئة، فعلاقة السعودية بحماس وليس علاقتها بـ"إسرائيل" هي التكتيكية لحاجات المرحلة، مرحلة الاصطفاف المذهبي والتطبيع العلني، فالوقوف والتفكر والتدبر ليس عيبًا، والتراجع عن الخطايا فضيلة.