هل كانت عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان طوعية وبملء رغبته ام ان وراء الاكمة ما وراءها في ظل انقلاب الموازين داخل السعودية، اثر رحيل الملك عبد الله وبدء انتقال السلطة الى الجيل الثاني في المملكة حيث الصراعات واضحة بين ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف وولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان نجل الملك، ووفق الاوساط الضليعة في كواليس الامراء المتناحرين فان الحريري بات بعد رحيل الملك عبد الله شخصا ثقيل الظل في البلاط كونه كان من المحسوبين على صاحب «الحكومة» التي طارت مع رحيله، ولم يستطع تحسين اوضاعه مع ولي العهد، فلا هو مقبول في ديوان الامير نايف الحاقد عليه لوصف الحريري اياه بـ«السفاح» وفق وثائق «ويكيليكس»، ولا هو مرغوب من قبل ولي ولي العهد.
ووفق الاوساط نفسها انه اثر رحيل الملك عبد الله سمع الحريري من بعض المقربين من البلاط الملكي امتعاضاً من اقامته الدائمة في المملكة واستدعائه نواب «التيار الازرق» الى السعودية اثر كل استحقاق او حادثة على الساحة المحلية، وان العمل في السياسة يكون بالحضور الميداني وليس بإدارة الامور عن بعد، لا سيما ان غيابه طيلة هذه الفترة عن الحلبة ادى الى انحسار «تيار المستقبل» في الشارع السني لصالح التيارات الاسلامية المعتدلة منها والمتشددة.
وتضيف الاوساط ان الحريري لمس رغبة سعودية برحيله يوم استقبلت المملكة النائب عبد الرحيم مراد، وشعر ان المملكة لم تعد تعوّل على «تيار المستقبل» في كافة الامور وانها قررت ادارة الشارع السني بطريقة مباشرة، وما يثبت هذا الامر ان السعودية اوصدت الباب امام قيام رئيس الحكومة تمام سلام بزيارتها مع وفد رسمي اثر قرارها بايقاف «المكرمة» بتسليح الجيش اللبناني، حيث ان ما انجز من صفقة التسلح من قبل الفرنسيين جرى تسليمه للسعودية التي كانت تنوي تحويل الاسلحة الى الجيش السوداني، الا ان الادارة الاميركية منعتها من ذلك كون الرئيس السوداني عمر البشير مطلوبا امام القضاء الدولي، فبقيت الاسلحة الفرنسية في عهدة الجيش السعودي الذي لن يستعملها كونها صنعت بمواصفات قتالية تتلاءم مع طبيعة لبنان الجبلية، حيث لا تستبعد الاوساط ان تحولها المملكة الى القوات اليمنية الخاضعة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وتشير الاوساط الى ان ما يثبت ان عودة الحريري كانت اشبه بالابعاد بطريقة ديبلوماسية لجوء المملكة الى اتخاذ اجراءات لمحاسبة شركته «سعودي اوجيه» حيث تم قطع خدمات التأمينات الاجتماعية عنها وكذلك قطعت خدمات المديرية العامة للجوازات كون الشركة المملوكة من الحريري والتي تضم 56 الفا بين موظف وعامل بينهم سعوديون وفرنسيون ولبنانيون لم يتقاضوا رواتبهم منذ 5 اشهر. هذا القرار يؤكد مدى الانزعاج السعودي من الحريري حيث تشكل احالة شركته الى المحاسبة فضيحة بكل ما تعنيه الكلمة، ولعل اللافت ان الحريري الذي تعود ان يغيب لفترة طويلة عندما يزور المملكة لم يمض الا ليلة واحدة فيها في رحلته آخر الاسبوع الماضي، ما يطرح الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام حولها، فلا هي زيارة سياسية ولا عائلية حتى، ما يرفع منسوب التساؤلات وسط تياره السياسي الذي كان يأمل ان يتم تعويم الحريري مالياً من قبل المملكة، لا سيما ان الاستحاق البلدي بات على رمية حجر، حيث يجهد بما ملكت يداه ان يثبت للسعودية انه لا يزال اللاعب الاقوى على الحلبة السنية، علماً ان ايقاعه، منذ عوته وترشيحه للنائب سليمان فرنجية، اضافة الى جولاته في طرابلس والبقاع، لم يتعد اطار الضجيج على الطريقة الجنبلاطية. فهل ينجح الحريري في محاولاته لفت انتباه السعودية ام ان العطار لا يصلح ما افسده الدهر؟