القدس

القدس


من البعيد البعيد يصعد البرتقالي الناري كحتمية أزلية... ثم يحترق بنيّا فوق اللحظة الكئيبة الراهنة، هو الفرق ذاته بين سور يتوهج بالمجد والأناقة وأبراج الحمام، وجدار رمادي بشع يغتصب براءة التناغم... وفي المدى البعيد القريب تلوح القدس وهي تغسل ضفائرها تحت الضوء، فتبدو قريبة كبؤبؤ العين، وفي ذات اللحظة تتراءى كأبعد نجم في السماء، تتكئ على ذاتها وتفاصيلها، مساجدها وكنائسها، قبابها وبيوتها، والأهم ناسها، تتطاول نحو الآفاق الأربعة وكأنها تنتظر شيئا ما، أو تتمنى أن يحدث شيئ ما، تبدو سهلة وعصية... تعاند على طريقتها وتنتظر... 

أما ذلك الشاب الفلسطيني فيبدو وكأنه واقف هكذا في مركز التكوين منذ الأزل، مطوق بالكوفية وأحلام وأمنيات تنحدر بجلال على كتفيه... كوفية تذكرنا بما نسينا أو فقدنا، وربما... بما سنفقد! هذا الفلسطيني الصاعد أو الذاهب إلى مكان ما، تخطى لحظة الدموع والرثاء... صمته مطلق،لكنه عاصف بالحنين والعتب، صمت ذو بأس غاضب لا نراه، لكننا نسمع صهيله قادما من الأعماق...

قد تكون الصدفة هي أن يدير هذا الفلسطيني الأزلي ظهره لنا وللعالم... بما يعيده وبعفوية ما إلى صورة خلقه الأول: حنظلة ناجي العلي، أو ناجي العلي نفسه لا فرق، حيث تختفي الألوان ولا يبقى سوى الأبيض والأسود كخيارات حاسمة لا تقبل الالتباس والمراوغة، حنظلة المعاند دوما، الغاضب دوما، كاشف النذالة دوما، المقاوم دوما... يدير ظهره يأسا وغضبا واحتقارا، إلا أن عينيه تشعان بالتأكيد عنادا... عينان جميلتان، راسختان، بوصلة وفية لا تخون حدسها ولا تغادر مدينة أدمنت الصبر والمقاومة... هي القدس"ترحل كل يوم"، ومع قدرها الفلسطيني الأزلي تراقص الوعد صباحا... و...تنتظر ... تنتظر "إلى أن يعود القمر!".

بقلم: نصار إبراهيم