تأخذ ثورة البحرين مصداقيتها، في ما باتَ يُعرف بثورات "الربيع العربي"، من كونها تقف في وجه أنظمةٍ تمثل الوجه الاستعماري للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة. الثورة التي انطلقت من المطالبة بأبسط الحقوق، قابلتها العائلة الحاكمة بأقسى انواع الاضطهاد والإجرام، مدعومةً من النظام السعودي، ومن خلفه طبعًا واشنطن المحرّك الأساسي والمشغّل لسياسات تلك الأنظمة. وبالرغم من سلميتها، فإنّ نظام "آل خليفة" الحاكم في البحرين، لم يتوانَ على مدى السنوات الأخيرة، بالرد على اي مظاهرة للشعب البحريني الثائر، عبر القمع والتنكيل والقتل المتعمد، وصولًا الى السجن من دون محاكمات، وأخيرًا اصدار أحكامٍ بالإعدام طالت شبابًا يحاولون بإمكانياتهم المتواضعة الحصول على أقل الحقوق، في وجه سلطاتٍ جائرة تنافي بأفعالها جميع المواثيق والمعاهدات الدولية الضامنة لحقوق الانسان.
وفي هذا السياق، واحتجاجًا على أحكام الإعدام التعسفية الصادرة بحقّ 3 ناشطين بحرينيين، أصدر علماء البحرين بيانًا أعلنوا فيه الغضب العام في كلّ المناطق. وأكد العلماء أن "دماءنا ليست رخيصة"، داعين "شعب البحرين الأبيّ لإعلان الغضب العام في جميع المناطق إنقاذًا لأرواح الشباب الأبرياء المحكومين بالإعدام في هذه المحاكمة الباطلة الجائرة". وتوجّه العلماء للبحرينيين قائلين إن "غضبتكم العارمة لله تعالى، وصولتكم الجماهيرية الشاملة للدفاع عن حرمة الدماء، هي الأمل، وهي التي تغيّر كل المعادلات، وهي الطريق لإنقاذ شبابنا الأبرياء، وإننا جميعا مسؤولون أمام الله تعالى إن قصرنا في أداء الواجب".
نداء العلماء يأتي في ظلّ المعلومات التي نقلها بعض الناشطين الموالين لآل خليفة عن تصديق ملك البحرين على الحكم بإعدام الشبان الثلاثة. وقد تلقّت عوائل المعتقلين الثلاثة المحكومين بالإعدام سامي مشيمع وعلي السنكيس وعباس السميع اتصالًا مفاجئًا اليوم بضرورة الحضور الى سجن جو ظهرًا للقاء أبنائهم، بحسب ما أكد نشطاء. وتخشى العوائل أن تكون السلطات قد باشرت بإجراءات تنفيذ الأحكام، خاصة أن الزيارة لم تكن مُقررة. وكانت محاكم النظام التمييزية قد أصدرت في 9 كانون الثاني الحالي، أحكامًا بإعدام الشبان الثلاثة في قضية حادثة الديه المشبوهة التي قالت وزارة الداخلية إن ضابطًا إماراتيًا برفقة منتسبين للأجهزة الأمنية قضوا خلالها.
في غضون ذلك، خرجت تظاهرات غاضبة في مناطق مختلفة من البلاد، ورفعت اصوات رفض أحكام الاعدام في مساجد وحسينيات عدد من المناطق، واغلق محتجون عدد من الطرق الرئيسة في مناطق سترة وبوري والقدم، وردد متظاهرون في السنابس هتافات ضد العائلة الحاكمة في البحرين، وفي محيط منزل آية الله قاسم خرجت تظاهرة حاشدة رافضة للإعدام. وتكرر النداء التظاهر والنزول الى الشارع من قبل حركة "حق المعارضة"، وأرسلت "حق" رسالة للمجتمع الدولي والدول الغربية الحليفة للنظام في البحرين من مغبة القيام بتنفيذ أحكام الإعدام بحق عدد من المعتقليين المظلومين المنتزعة اعترافاتهم تحت التعذيب. وقالت "حق": "إن تنفيذ أحكام الإعدام يعد فتح لحمامات الدم وبرسم الدكتاتور حمد وحلفائه وخصوصًا البريطانيين، وإن هذه الجريمة لو تمت لا سمح الله فإن تداعياتها لن تكون فقط على أبناء الشعب البحراني المظلوم، ولا بدّ كنتيجة للعنف المنظم الذي يمارسه النظام وسط صمت وتواطؤ دولي أن يكون هناك ردات فعل لن تستثني النظام ومصالح الدول الراعية والداعمة له".
وفي بيان لتيار "الوفاء المعارض"، اكد ان شباب الوطن يتهددهم تنفيذ حكم الإعدام ظلمًا وزورًا، بعد أن عذّبهم، ونكّل بهم، وفرض عليهم الإقرار القسري، وأكد تيار الوفاء ان النظام البحريني سجّل اعترافاتهم تحت التعذيب الشديد، مستخفًا بالعدالة، ومتطاولًا على حرمة الإنسان وكرامته، في ظل صمت وتجاهل دولي، وعداء أمريكي وبريطاني مفضوح لشعب البحرين الذي يخوض صراعًا مريرًا من أجل حريته وكرامته.
من جانبها، أدانت كلٌّ من منظّمات "أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين"، "معهد البحرين للحقوق والديمقراطية"، "مركز البحرين لحقوق الإنسان"، "المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان" الأحكام الصادرة، مشيرة إلى أنّ جميع الاعترافات بالتهم المنسوبة ضدّ الناشطين جاءت بالإكراه وتحت التعذيب، ولم تكن هناك محاكمات عادلة. كذلك أصدرت المعارضة البحرينية في الخارج بيانًا دعت فيه "أبناء الشعب أجمع للغضب العارم بالخروج في الشوارع والميادين العامة"، والى استنكار ما يقوم به النظام من هدم للوطن من أجل أهدافه واستمرار حكمه الديكتاتوري". وجاء في البيان "استنفذ نظام آل خليفة للخطوات الشكلية في قضية الحكم بإعدام ثلاثة من شباب البحرين المظلومين والمتهمين ظلمًا وعدوانًا بقتل احد المرتزقة الإماراتيين والحديث عن تصديق الحاكم على الحكم، كل ذلك يدعونا للنهوض من أجل الدفاع عن شبابنا المظلومين وإيقاف سفك الدم الحرام، أداء لتكليفنا الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتكليفنا الوطني في استنكار ما يقوم به الحاكم من هدم الوطن واهدار دماء أبنائه من أجل أهدافه واستمرار حكمه الديكتاتوري".
الى ذلك، تأتي أحكام الإعدام، في وقتٍ أمرت النيابة العامة البحرينية بسجن الفتى مهدي أحمد السكران المصاب بمرض "التلاسيميا" لمدة 7 أيام على ذمة التحقيق دون مراعاة وضعه الصحي. وتطالب عائلة الفتى البالغ من العمر 15 عامًا بالإفراج الفوري عنه مراعاةً لوضعه الصحي، حيث لم يحصل على أيّ من أدويته أو يتمّ عرضه للعلاج منذ اعتقاله يوم الأربعاء الفائت بعد استدعائه للتحقيق. يذكر أن مرضى التلاسيميا يحتاجون لإجراء عمليات نقل دم بشكل منتظم وأخذ الأدوية اللازمة.
على صعيدٍ متصل، اكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير جديد لها أن البحرين زادت من قمع النشطاء ومنتقدي الحكومة في 2016، واصفةً الأوضاع هناك بـ"القمع المنهجي للحق في حرية التعبير". وأشارت إلى أنّ الحكومة البحرينية "حلت أهم جمعيّة سياسية معارضة في البلاد، وحاكمت نشطاء حقوقيين بارزين ورجال دين، ومنعت العديد من النشطاء من مغادرة البلاد، ورحّلت 6 بحرينيين، منهم محام حقوقي، بعد أن جرّدتهم من جنسيتهم تعسفًا". ورأت "هيومن رايتس" أن "هذا القمع المنهجي للحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات تسبب في تدهور ملحوظ لوضع حقوق الإنسان، وقوّض آفاق التوصّل إلى حلّ سياسي للاضطرابات الداخلية في البحرين"، وأضافت: "على السلطات البحرينية إحياء مسار الإصلاح السياسي المتعطل، بالتراجع عن حل جمعية الوفاق وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين البارزين ووضع حدّ لمضايقة النشطاء". نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس" جو ستورك قال إنه "على الرغم من أن السلطات البحرينية تمسك بخناق المجتمع المدني منذ سنوات، إلا أنها أثبتت في 2016 عزمها على حرمانه من التنفس بالكامل. تحقيق استقرار طويل المدى في البحرين يبقى مشروطًا بانتهاج مسار إصلاحي يقوم على احترام أكبر لحقوق الإنسان الأساسية، ولكن السلطات تسير للأسف في الاتجاه الخاطئ".