قال الإمام الحسين (عليه السلام):
(وأحذركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم {لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم} فتلقون للسيوف ضربا، وللرماح وردا، وللعمد حطما، وللسهام غرضا، ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا).
لا يحتاج المؤمن إلى بيان عداوة الشيطان ولا يحتاج إلى معرفة طرق النجاة منه بعد أن صرح القرآن الكريم بذلك ما في قوله تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }(سورة فاطر، الآية: 6).
وقوله تعالى: { قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ }( سورة يوسف، الآية: 5).
وقوله تعالى:{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } (سورة الإسراء، الآية: 53).
ولكن لا بأس في التذكير بعداوة الشيطان والتحذير من حبائله لاسيما إذا عرفنا أن لإبليس طرقا خفية ومكائدا كثيرة وأفخاخا متعددة يصطاد بها من يغفل عنه، ولكي نقف على تحذيرات أهل البيت (عليهم السلام) ونواهيهم عن إتباع الشيطان لابد من ذكر ما ورد عنهم (صلوات الله عليهم أجمعين):
1- ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يبين أن الشيطان عدو لا صلح معه ولا هدنه حينما يعظ ابن مسعود يقول: «يا بن مسعود، اتخذ الشيطان عدوا؛ فإن الله تعالى يقول: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } (مكارم الأخلاق: ج2، 2354، ح2660. ميزان الحكمة: ج5، ص1919 ــ 1920، ح9369).
2- وحذر أمير المؤمنين (عليه السلام) من الشيطان لما له من قدرة على اقتحام قلوب المؤمنين:«احذروا عدوا نفذ في الصدور خفيا، ونفث في الآذان نجيا»( غرر الحكم: 2623. ميزان الحكمة: ج5، ص1920، ح9371).
3- جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يؤكد أن للشيطان أفخاخا ومكائد كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلا أولياءنا»( تحف العقول: ص301. ميزان الحكمة: ج5، ص1920، ح9375).
4- حذر أمير المؤمنين (عليه السلام) من فتن الشيطان دونك من خلال بيان هذه الفتن:«الفتن ثلاث: حب النساء وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر وهو فخ الشيطان، وحب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان»( كنز العمال: 30883. ميزان الحكمة: ج5، ص1921، ح9376).
5- ولشدة تأثير الشيطان على الإنسان يعلمنا الإمام السجاد (عليه السلام) في مناجاته كيف ندعو الله تعالى لينجينا منه كما في قوله (عليه السلام): «إلهي أشكو إليك عدوا يضلني، وشيطانا يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يعاضد لي الهوى، ويزين لي حب الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى»( بحار الأنوار: ج94، ص143، ح21. ميزان الحكمة: ج5، ص1920، ح9372).
بعد أن عرفنا مكائد الشيطان وحبائله وفتنه صار لزاما علينا مجاهدة هذا المخلوق الذي لا هم له إلا إيقاعنا في معصية الله تعالى، وهذا ما أكده الإمام الكاظم (عليه السلام) بقوله لما سئل عن أوجب الأعداء مجاهدة: «أقربهم إليك وأعداهم لك... ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس»( تحف العقول: ص399. ميزان الحكة: ج5، ص1920، ح9370).
فعدم الابتعاد عن الشيطان يوجب الوقوع في معصية الله تعالى بل يوجب الوقوع في شرك الطاعة وهذا الشرك هو أحد أنواع الشرك الذي قالت عنه الآية الكريمة: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }( سورة لقمان، الآية: 13).
ولنوضح الأمر نقول: إن الأوامر تصدر من الله تعالى أو من قبل أنبيائه ورسله وأوليائه فلذلك قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (سورة النساء، الآية: 59).
وهذه الأوامر لا شك أنها تصب في مصلحة الإنسان في الدنيا وتكسبه الجنان في الآخرة، إلا أن هناك طرفا آخر يصدر أوامرا مخالفة للأوامر الإلهية بل يزين ويسول لنا لنطيعه في هذه الأوامر ألا وهو إبليس، فإن أطعناه في أوامره هذه وأطعنا الله تعالى في أوامر أخرى تكون قد أشركنا في طاعة الله تعالى أمرا آخر وخرجنا عن عنوان التوحيد في الطاعة فلذا الحذر الحذر من الوقوع في الشرك، وهذا لا يتم إلا من خلال مخالفة الشيطان والابتعاد عن المقدمات التي تفضي إلى معصية الله تعالى فضلا عن نفس المعصية والتمسك بأوامر الله تعالى ونواهيه.
آثار طاعة الشيطان على الإنسان:
لكل عمل أثر وضعي أو غير وضعي، وهكذا طاعة الشيطان فإن لها آثارا وخيمة وضعية أو غير وضعية كما في الزنا (على سبيل المثال) الذي يقع فيه الإنسان نتيجة وسوسة الشيطان وتزينه للزاني والزانية، نلاحظ أن الأثر الوضعي هو فساد الحرث والنسل والسقوط عن أعين الناس وغيرها من الآثار الوخيمة وأما الأثر الشرعي فهو الجلد لغير المحصن والرجم للمحصن وغير ذلك من الأمثلة التي لها آثار وضعية أو شرعية أو غير ذلك.
ولكي يتضح الأمر جليا لابد من التأمل فيما ورد عن أهل بيت الحكمة والعصمة (عليهم السلام).
قبل أن أشير إلى آثار طاعة الشيطان التي وردت في الروايات أريد أن ألخص ذلك في هذه العبارة المستقاة من الآيات والروايات ألا وهي (أن طاعة الشيطان توجب سخط الرحمن ودخول النيران في الآخرة، وضنك العيش وعدم راحة القلب والشقاء في الدنيا) وباختصار أكثر (طاعة الشيطان شقاء الدنيا والآخرة) ولكي نؤكد هذا المعنى لا بأس بالاطلاع على الآيات والروايات التي أشارت إليه وهي كما يلي:
1- قوله تعالى: { يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ }(سورة الأعراف، الآية: 27).
يبين لنا ما حصل لأبوينا رغم أنهما لم يطيعوه في معصية، إذ إنهما خالفا الأمر الإرشادي الذي أمرهما الله تعالى به إلا أن طاعة الشيطان أخرجتهما عن الجنة وما فيها من روح وريحان إلى دنيا الألم والعذاب والكد والتعب.
2- قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ }( سورة الحج، الآيتان: 3 و4).
يوضح أن إتباع الشيطان يوصل إلى الضلال بل الهلاك في عذاب جهنم في الدنيا والآخرة.
3- قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }( سورة النور، الآية: 21).
يؤكد على أن الشيطان لا يريد للإنسان إلا أن يعيش قبيحا نجسا بعيدا عن كل ألوان الطهارة والحسن والجمال.
4- قوله تعالى: { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }(سورة الحشر، الآية: 16).
تشير هذه الآية الكريمة إلى خذلان الشيطان للإنسان الذي وقع في إغرائه، وتصرح بأن طاعته قد تؤدي إلى الخروج عن الدين في بعض الأحيان.
5- طاعة الشيطان توجب الوقوع في الزلل والخوض في الباطل، بل تلغي شخصية المؤمن ويحل إبليس بدلا عنها في أفعالها وأقوالها وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام في ذم أتباع الشيطان: «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكا، فباض وفرخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزين لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه!»( نهج البلاغة: الخطبة 7. ميزان الحكمة: ج5، ص1922، ح9381).
6- طاعة إبليس توجب الوقوع في الجرائم والكبائر حتى تصل إلى درجة الكفر كما في قول الإمام علي عليه السلام: «إن رجلا كان يتعبد في صومعة، وإن امرأة كان لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها، فزينت له نفسه فوقع عليها، فجاءه الشيطان فقال: أقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت، فقتلها ودفنها، فجاؤوه فأخذوه فذهبوا به، فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: إني أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجيك، فسجد له، فذلك قوله: { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }»( الدر المنثور: ج8، ص116. ميزان الحكمة: ج5، ص1922 ــ 1923، ح9383).
7- طاعة إبليس توجب الاتصاف بكل رذيلة كالتكبر والحسد والبغي كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «يقول إبليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد والبغي؛ فإنهما يعدلان عند الله الشرك»( الكافي: ج2، ص327، ح2. ميزان الحكمة: ج5، ص1927، ح9393).
8- أخطر ما يقع فيه الإنسان بعد طاعته للشيطان هو نسيان ربه ثم الوقوع في الخسران المبين كما في قوله تعالى: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون }( سورة المجادلة، الآية: 19).
9- إتباع الشيطان يوجب ضرورة التابع من أوليائه وحزبه فينالهم الخوف كما في قوله تعالى: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }( سورة آل عمران، الآية: 175).
بقلم: الشيخ علي الفتلاوي.