سورية والذئب.. من دون ليلى

سورية والذئب.. من دون ليلى

ارجع إليّ كما أنت.. صحوا كنت أو مطرا
فما حياتي إن لم تكن شامي فيها!!
اسمحوا لي أن ارجع إلى ما قبل ثلاث سنوات.. لأكمل حياتي عن قلب عشق وعشق حتى ذاب في معشوقته
في بيتي الصغير بإحدى حارات دمشق العريقة وقهوتي وياسمينتي وجرائدي الصباحية.. وصوت فيروز الذي لم يغادرني في كل الأوقات وإن كنت أشاهد أخبارا توجعني وصورا لن أنساها وعصابات الغدر ترمي جنود بلادي في نهر العاصي، وصورة الشهيد نضال وهو يذبح واقفا..
لا أصدّق.. ماذا يحصل في سورية؟ من هم هؤلاء الذين نادوا بالحريّة؟
أيّة حرّية!؟ عشت عمري كلّه حرّية.. كلامي وأفعالي وآرائي.. لم أجد أحدا يؤذيني.. مرات ومرّات نتحادث والأصحاب، نتجادل، نتعارك بالكلام، نقول ملاحظاتنا وانتقاداتنا، كل منّا برأي مختلف، هناك من يقبل، وآخر يرفض، بالنهاية نجتمع على سورية التي نحب ونعشق..
سورية الهادئة الصاخبة، الوديعة الشرسة، الأم الحنون تضمنا بعطف وصرامة الحزم على أبنائها
الوسواس الخناّس بدأ يدقّ أبواب دمشق السبعة ولم يعرف بابها الثامن..
بمكر ودهاء وبحيلة طلب الحريّة المغلفة بالقتل والتدمير لحضارتها وثقافتها وعروبتها ودياناتها المحببة لكل ناسها
ابتدأنا نسمع دويّاً هنا.. وانفجاراً هناك وقتل أبرياء كل ذنبهم أنهم يحبّون بلدهم
ولأنهم يحبّون الظلام أحرقوا محطات توليد الكهرباء.. نسكت ونقول لابد أن تزول هذه الغمامة السوداء.. انقطعت الكهرباء لم أبالِ وقدّرت ما نمر به من أزمة فهيأت الشموع التي كانت تذوب الواحدة بعد الأخرى.. تقطر دمعا، وقلبي يقطر دما.. لم أخف ولم أجبن.. تحمّلت الأصوات والصور المقززة وأنا كليّ ثقة بجيش بلادي أن لابد أن ننتصر على هؤلاء أصحاب القلوب السوداء.
أحفادي لم يستطيعوا أن يذهبوا إلى مدارسهم وقذائف الهاون ترعبهم وتؤذيهم.. نقول لهم إننا نحارب إسرائيل.. بالفعل أثبتت الأحداث أننا نحارب إسرائيل وأميركا وثلثي العالم عن طريق الذين سميناهم الأخوة العرب.
وأنا أرتب أشيائي كانت دموعي تبلل كل قطعة أضعها في الحقيبة، كنت رافضة تماما مغادرة شامي.. ولكن ما باليد حيلة، صوت واحد لا يقوى أمام عدة أصوات..
اختنقت وأنا في ملجئي الجديد وإن كان في إحدى المناطق السورية الجميلة التي لم أرها جميلة..
قلبي رفض رفضا قاطعا المكان المؤقت البعيد عن معشوقته الأبدية شامي الحبيبة، بدأ وكأنه لصّ محترف يسرق وريدا وراء آخر حتى أعطاني إنذاراً، سنختلف هذه المرّة.. قلبك لن يدقّ خارج أسوار الشام.. ذبحته..
كنت تكذبين عليّ وأنت تحبين الشام.. هل خشيت على نفسك ولم تخاف عليّ؟ ومن أنت بلا الشام وأنا؟
قبل أن أدخل إلى غرفة العمليات أقسمت لله.. كن معي.. لا تخذلني..
سأعود إلى حبيبتك، سأعود إلى حضنها وغبارها.. إلى روحها وقاسيونها، ربوتها وسهلها.. سأضع راسي بين حناياها أطلب منها الغفران والعفو
لن أخاف وأنا أشمّها ليلا نهارا.. رائحتها مرّات عديدة أعادتني إلى الحياة والحب هؤلاء الخونة ذوو القلوب السوداء، عمى اللـه على قلوبهم ونسوا بابها الثامن، حب أولادها لها الذي يغلق كل أبوابها ليناموا قريري العين ويحميها من كل معتد غادر
ألم تكن رابعة العدوية تعشق الله.. أنا ابتسام التي غرقت في حبّ الشام..

ابتسام أديب