روضة الشهيدين: هنا يرقد سادة قافلة الوجود

روضة الشهيدين: هنا يرقد سادة قافلة الوجود
تتردّد الأمهات إلى أضرحة أولادهنّ ورغبتهنّ في أن يدفنّ فيها لاحقاً

بوابة صغيرة، في منطقة الشياح، تدخلك إلى عالم آخر. عالم شهداء «حزب الله»، حيث الأدبيات مختلفة وكذلك الطقوس، فضلاً عن الكثير من الحكايات التي تملأ فضاء المكان. في «يوم الشهيد» تطلّ تلك الوجوه الراحلة بكثرة. فللحزب أسلوبه، أو ربما فنه، في حفظ آثار شهدائه. هنا روضة الشهيدين: «ادخلوها بسلام آمنين»

 

لا صمت قبور هنا. تلك الرخامات البيضاء، في روضة الشهيدين، تنطق ضجيجاً وصهيل حكايات. لا ضجيج أحياء هنا. من لفّ صدى صخبهم أصقاع الأرض، لسنوات ثلاثين خلت، يرقدون اليوم هنا بسلام. صمتهم صاخب. هنا، في الشياح، حيث أذاع حزب الله نبأ ولادته، قبل نحو ثلاثة عقود، تربض روضة لشهدائه. هم ليسوا كل شهدائه، المنتشرين في القرى، لكنهم هنا، في روضتهم، أكتافهم تتراصف جنباً إلى جنب. سقف واحد يظلّلهم. زائر هذا المكان يدرك، بسرعة، ما للشهداء من قيمة عند ذاك الحزب. يحيطهم بفائض من القداسة.

يدلّلهم كما لو كانوا أحياءً. هم عنده «أحياء يرزقون». يؤبّد ذكراهم، ينشر صورهم، يؤرشف حكاياتهم، يرفع راياتهم وكلّ أشيائهم... إلا بعض أسرارهم.
قبل 16 عاماً،

 كان ربيع، الفتى الكشفي، يشارك لأول مرة في تشييع شهيد. كان اسم الشهيد ربيع وهبي (سراج). وسار ربيع في تشييعه من برج البراجنة إلى روضة الشهيدين. حمل الجثمان وشارك في إهالة التراب عليه. ظلّ واقفاً بعد مغادرة الجمع. ثمة ما اختلجت به مشاعره في تلك اللحظات. بقي عند الضريح حتى المغيب. صار الشهيد شهيده. أحبّ أن يصبح مثله، مقاوماً، فكان قراره بالمضي قدماً... وبدأ «ربيعه». التحق بصفوف المقاومة، ووجه ربيع، الشهيد، لا يفارقه. منذ ذلك الحين، وحتى اليوم، لا يمرّ أسبوع من دون أن يزور تلك الروضة. ضريح ربيع وهبي أول ما يزور من بين الأضرحة. يوم ذاك التشييع، كانت روضة شهداء الحزب صغيرة نسبياً، بسيطة في هيئتها، لا سقف لها، ولا شيء يفصل بين الأضرحة سوى التراب.

توجد أضرحة لشهداء مجهولي الهوية منهم شهداء عملية بدر الكبرى

بعد سنتين من تشييعه الأول، كان ربيع قد شارك في إيداع أكثر من شهيد في تلك الروضة. عام 1998 كان مفصلاً جديداً في حياة الشاب. شارك في الصلاة خلف السيد حسن نصر الله، في ملعب الراية، وأمامه عشرات جثامين الشهداء المستعادة من العدو. من بينهم كان هادي نصر الله، نجل «قائد القوات المسلحة في حزب الله». هكذا كان يوصف السيد، آنذاك، في خطابات المنابر الجهادية وعلى ألسنة المقاومين. «اللهم تقبّل منّا هذا القربان»... ردّدها ربيع خلف السيد، وسار مشاركاً في تشييع هادي ورفاقه. إلى روضة الشهيدين مجدداً. شاهد عن كثب تلك النجوى بين الأب وفلذة كبده، عند الضريح، قبل الوداع الأخير. لم يقم الحزب بما يميّز ضريح هادي عن سائر الأضرحة. لكن، منذ ذلك التاريخ، أصبح لتلك الروضة صدى أبعد. صارت محط زيارة الوفود المؤيدة، المعجبة، المنبهرة بحزب يضيع ضريح نجل قائده بين سائر الأضرحة. كل الشهداء هناك لهم من يزورهم من عائلاتهم، باستثناء هادي نصر الله. زوّاره من الناس والمؤيدين. الوضع الأمني للوالد والوالدة لا يسمح بذلك. يمكن بسهولة ملاحظة أن ذاك الضريح، هو أقلّ الأضرحة زينة واهتماماً. يخبرك ربيع عن زوّار دائمين لضريح هادي، من الناس، ممن لم يروا وجهه يوماً. يدخلون ويقرأون الفاتحة لأرواح الجميع، لكنهم يخصصونه بالملامسة والتوقف عنده.
يعود ربيع بالذاكرة إلى عام 1998. شارك آنذاك في دورة عسكرية مع الحزب. التقى هناك بـ«عاشق» آخر للشهداء. توطدت علاقته بالأخ فادي. بعد عودتهما من الدورة، كانت روضة الشهيدين مكان التقائهما. يمضيان هناك ساعات في قراءة القرآن، وبعض المناجاة، فضلاً عن تأمّل وجوه أصحاب الأضرحة. لكلّ شهيد صورة عند الشاهد، باستثناء قلّة. وعلى كل ضريح دوّن تاريخ الولادة، ومكانها، وتاريخ الاستشهاد ومكانه. بعضهم نقش على رخامتهم اسم العملية، أو المواجهة البطولية، التي قضى بها. بعضهم، منذ تسعينيات القرن الماضي، محفور على أضرحتهم: «استشهد أثناء تأدية واجبه الجهادي». ذلك الواجب يتّسع كثيراً في أدبيات الحزب، ليشمل الشهادة في حادث سير أثناء العمل، أو ربما توقف القلب عن الخفقان، مثلاً، لأي سبب كان، أثناء العمل. المهم أنه «أثناء العمل».

يضيع ضريح الشهيد هادي نصر الله بين سائر الأضرحة

مرّ وقت قبل أن يجد ربيع نفسه في تشييع جديد. إنه الشهيد علي زهري (الحاج عبد الرسول). كان قد التقاه قبل أشهر، في الجنوب، على تخوم تلة سجد في إقليم التفاح. كان للشهيد مكانة معروفة بين المقاومين. هو صاحب لقطة تأدية القسم الشهيرة، في عملية اقتحام موقع سجد المعادي، أمام الراية التي زرعها في إحدى الدشم. آنذاك، وبعد تباطؤ ربيع في القيام بإحدى مهماته، شدّه علي من عضده وقال له: «يا ربيع هول بدك تصير تعملهم لوحدك... أنا مش مطوّل». كان ذلك على بعد أمتار من ساتر موقع العدو، عند نقطة الـ«B9». يتذكر التفاصيل، وكأن عينيه تريان تلك المشاهد الآن. ها هو علي زهري يشيّع، وربيع يحمل نعشه، إلى روضة الشهيدين. يجلس ربيع اليوم أمام ضريح علي، متأملاً صورته، ويحدّثك عن شعوره بأن الأخير يكاد ينطق في أي لحظة. كأنه مضى على تشييعه يوم أو بعض يوم. يتذكر شجى صوت المنشد، الحاج يحيى حدرج، يصدح في آخر لحظات التشييع: «بأمان الله يا شهيد الله». تلك العبارة التي لطالما ردّدت عند وداع كل شهيد، تعيد ربيع إلى الواقع، إلى حقيقة رحيل رفاق دربه، وتركه «وحيداً في سجن الدنيا». في كلماته، وسكناته، وكلّ أفعاله، مزيج من التصوف والعرفان والبأس والصلابة. مزيج تميّزت مدرسة حزب الله بإنتاجه. ما عاد يحصي عدد الذين سار في تشييعهم، الذين أودعهم في مختلف الروضات، لكن أكثرهم في «الشهيدين».
بعد علي زهري، ها هو ربيع على موعد جديد مع وداع شهيد آخر. إنه فادي غزال (قاسم). شريكه في عشق الشهداء، الشهيد الآن، ورفيقه في الدورة العسكرية بالأمس. استشهد قبل شهرين من التحرير عام 2000. ظلّ جسده على أرض الجنوب، إلى ما بعد التحرير، لينقل بعدها إلى بيروت ويرقد في «الشهيدين». رحلته كانت قصيرة، على عكس ربيع، الذي ما زال «يعاني طريق ذات الشوكة». رقد فادي بين عشرات الشهداء، قرب أضرحة دوّنت على رخاماتها عبارة: «شهيد مجهول الهوية». كل ما يعرف عنهم أنهم استشهدوا بتاريخ 7/6/1990. هم من الذين استعيدت جثامينهم في عمليات التبادل مع العدو الإسرائيلي، وكان متعذّراً ــ بفعل مرور الزمن ــ تمييزهم عن بعضهم. عددهم أربعة. يقال عنهم هناك: «عاشوا غرباء وبقوا غرباء». على مسافة قصيرة منهم تطالعك خمسة أضرحة بلا هوية أيضاً. دوّن على كل واحد منها: «شهداء عملية بدر الكبرى». تاريخ استشهادهم 31/5/1987. أربعة أضرحة أخرى كذلك: «شهداء عملية علمان الشومرية». استشهدوا عام 1987. على أمهات هؤلاء، وعموم أقاربهم، ملامسة كل تلك الأضرحة المجهولة الهوية، وقراءة الفاتحة عند كل واحد منها. اختلط بعضهم ببعض، فصاروا واحداً تحت الأرض، كما كانوا قبلاً فوقها. باقي الأضرحة معروفة الهوية، وصور أصحابها عليها، وهم 107 شهداء. في روضة الشهيدين، التي تضم آلاف الموتى، ثمة شهداء للحزب غير هؤلاء أيضاً، وآخرون لحركة أمل، ولسواهما من أحزاب المقاومة. لكن، مع مرور الزمن، صار لبعض شهداء حزب الله بقعتهم الخاصة في تلك الروضة، يعلوها اليوم سقف ذو قبة، وبلاط أسود بين الأضرحة، والكثير من أشكال الرهبة والتبجيل.
يوم الخميس الماضي، وعلى بعد أيام من يوم شهيد حزب الله، الذي يحتفل به سنوياً في 11 تشرين الثاني، كانت والدة شهيدين تلاعب «طفليها» الراقدين في تلك الروضة. كأنها لا تنتبه إلى من يمرّ جنبها، أو حتى يصدر صوتاً، غارقة في عالمها الخاص. حسن وعلي مسلماني. رحلا في يوم واحد. تاريخ 9/8/2006. لا يمكن تلك الأم أن تنساه. إنه «أحد أيام العز من حرب تموز... أيام نصرنا ومجد أمجادنا». بعد أيام الحرب اتسعت تلك البقعة لمزيد من الشهداء. سجلات نفوسهم في الجنوب والبقاع وجبل لبنان، لكن «نفوس» أضرحتهم في «الشهيدين». لا تتكلم تلك الأم كثيراً. تنتقل من ضريح إلى آخر، تنظف، تمسح، ترتب، تزيّن، تنثر الورد والبخور. «نعم، أنا والدة هذين الشهيدين». تقولها وعلى وجهها ابتسامة غريبة. تلك من الابتسامات التي يصعب تفسيرها.
إن سألتها عن أمنياتها، تجبك: «أريد أن أدفن بعد موتي هنا، في الضريح الذي يضم ولديّ». تريد خاتمة كخاتمة سميرة صالحة، والدة الشهيد ربيع وهبي، التي أوصت بأن تدفن معه في الضريح ذاته. وفعلاً، كان لها ذلك. على شاهد الضريح اليوم اسمها واسم ولدها. سبق الابن أمه باثني عشر عاماً. هذا ما فعلته سهجنان علوية أيضاً؛ إذ التحقت بمنزل ولدها الأخروي، بعد ثلاثة عشر عاماً على استشهاده. دلول الحبحاب فعلت الأمر نفسه، ملتحقة بضريح حبيبها محمد، بعد 7 أعوام من الفراق.
كل هذا وربيع هناك. حيّ بين «الأحياء». يشاهد تلك الأمهات على مرّ السنين. حفظ وجوههن، وطرق تدليلهن لأبنائهن. راقب كيف تدفقت مواكب الشهداء إلى تلك الروضة، ليصبح اليوم خبيراً في «أدب الشهادة». يحدثك عن لفظة شهيد، التي أصبحت اليوم، ممجوجة ومستهلكة إلى حد كبير. لا يفهم كيف يتساوى علي زهري، الذي بدّد زهرة شبابه على هضاب جبل عامل وتلاله، ولم يبق في جسده ذرة الا اشتعلت، مع أشخاص «وحده الله يعلم كيف ولماذا قتلوا». يحترم الجميع، ويقدّر فقد الأحبة أياً كانوا، لكنه يقول: «سأظل أسمح لنفسي، مع نفسي، بأن لا أقول إلا عن أصحاب القضية، تلك التي وجهتها جنوباً، أينما ارتفعوا... شهداء».
الشهداء عند ربيع هم من طينة عماد مغنية (الحاج رضوان). لقد شارك في تشييعه، وعرفه قبل أن يخرج إلى النور، وودّعه، مجدداً، في روضة الشهيدين. مغنية اليوم يتوسط الشهداء في تلك البقعة. ثمة من اعتاد زيارته يومياً، لملامسة ضريحه، والتوقف للحظات ثم المغادرة. هكذا يفعل أحد الزوار الدائمين. لتلك البقعة روّادها. يحدثونك عن «فرارهم من صخب الأحياء الموتى إلى سكينة الموتى الأحياء... الذين فعلوا أقصى ما يمكن إنساناً فعله، ليثبتوا صدقهم». كثيرون اليوم مثل ربيع، ما زالوا يقبضون على السلاح، مع كل هذا المخزون من التراجيديا. لا يفهمون، وسط كل هذا الضجيج من حولهم، سوى لغة الجنوب والتراب. إن استمع إليهم أحد الغرباء عن فلسفتهم، سيخالهم، حتماً، من كوكب آخر. ربما يظن أن مرضاً ألمّ بهم، وما بالقوم من مرض، ولكن «خالطهم أمر عظيم». هم الذين توجه السيد حسن نصر الله إليهم، قبل 17 عاماً، في تأبين الاستشهادي صلاح غندور، قائلاً: «حدّثهم يا صلاح، عن الأرواح المولعة، التي تتأوه ليل نهار، شوقاً إلى اللقاء وحنيناً إلى عالمهم. حدّثهم يا صلاح، عن الأرواح المولعة، التي تتجلجل في أنحاء الجسد السجن، يعذبها أسر الدنيا ويخرجها الإذن».
يقصد ربيع هذه الأيام روضة الشهيدين وحيداً. يسعده أن تتزايد أعداد الزائرين لأضرحة الشهداء، وخاصة في هذه الأيام، في ذكرى عملية «فاتح عهد الاستشهاديين» أحمد قصير عام 1982. تلك العملية التي اتخذ حزب الله من تاريخها يوماً سنوياً لشهدائه. في روضة الشهيدين نحو 100 من شهداء الحزب، الذين وصل عددهم إلى نحو 1500 شهيد، منذ انطلاقته عام 1982. يفرح الشاب لكل «متطفل» جديد على عالم «شهدائه». يوهمك بأنه قال كل ما يريد قوله، لكنه، في الوقت عينه، يدرك أنك علمت أنه لن يقول إلا ما يريد قوله. ثمة أسرار يحتفظ بها. يخبئها بين ضلوعه. ربما باح ببعضها لاحقاً، وربما تحققت أمنيته، فيلتحق بمن «تركوه وحيداً يعاني». لا يمكنك إلا أن تخشع للطريقة التي يحدثك بها ربيع، عن الشهادة والشهداء، أكرم أهل الدنيا وأنبل بني البشر. أو كما يصفهم هو: «سادة قافلة الوجود».


«المؤسسة» التي لا تنسى شهداءها

منذ نشأة حزب الله، نشأت معه مؤسسة ترعى شؤون الشهداء وعوائلهم، تحت اسم «مؤسسة الشهيد». بالنسبة إلى هذه المؤسسة، يعدّ «الاهتمام بعوائل الشهداء وتوفير حاجاتهم المعيشية والأساسية، من طبابة وسكن وتعليم، وإحاطتهم بالرعاية هدفاً مباشراً لما يشكل ذلك من سبب في استقرارهم الاجتماعي، وعاملاً مساعداً في رفد هذه المسيرة بالمجاهدين الذين ينطلقون إلى جهادهم وقلوبهم مطمئنة إلى وعد الله عزّ وجل (أنا خليفة الشهيد في أهله ــ حديث قدسي) بحفظ عوائلهم، من خلال هذه المؤسسة، التي قدّمت نموذجاً راقياً وتجربة فريدة في العمل المقاوم».
هكذا، يبدو البعد الإيماني ــ الغيبي حاضراً بقوة لدى حزب الله ومؤسساته، ويبدو أكثر ظهوراً عند الحديث عن الشهداء «وقيمة الشهادة ومفهومها». وفي هذا السياق، تستند «مؤسسة الشهيد» في صياغة أهدافها وتوجهاتها إلى الآتي: «العمل على تقديم مختلف أنواع الرعاية الأسرية الشاملة لأسر شهداء المقاومة الإسلامية، في الجوانب الاجتماعية والثقافية والإرشادية والنفسية والتعليمية والمعيشية والسكنية والصحية، سعياً إلى بناء أسرة مؤمنة مجاهدة سويّة ومستقرة، وبتقديم الرعاية المادية والصحية لأهالي الشهداء، بما يكفل حفظ كرامتهم ومعنوياتهم وحفظ مجتمع المقاومة، والمساهمة في نشر ثقافة الشهادة، بالإضافة إلى حفظ إرث الشهيد وتخليد ذكراه». إذاً، حزب الله ليس من الذين ينسون شهداءه. يعرف كيف يحفظ ذكراهم، ويوفّي لهم، بل وأبعد من ذلك... كيف يستفيد من فعل دمهم وتثميره في خط المقاومة عينه. ينطلق بذلك من قول للشيخ الشهيد راغب حرب، الذي كان من المساهمين في إنشاء المؤسسة، إذ يقول: «دم الشهيد إذا سقط، فبيد الله يسقط، وإذا سقط بيد الله فإنه ينمو ويكبر... يصبح شاهداً، يتحول إلى إصبع إدانة».


من وصاياهم

اهتم حزب الله كثيراً، إلى حد التخصص، بنشر وصايا شهدائه في المرئي والمسموع والمكتوب. ففي مجلة «بقية الله» الشهرية، التابعة للحزب، لا يمكن أن يخلو عدد من قصة شهيد ووصيته. كذلك قناة «المنار» وإذاعة «النور»، حيث البرامج المختصة في الحديث عن «أدب الشهادة» وذكريات الشهداء.
من أبرز تلك الوصايا، ما خطه الشهيد جلال رمال (طلال) الذي ارتحل يوم 3/5/2000 (قبل أيام على التحرير). يقول: «أيها الناس، ألا إن الموت آتٍ لا محالة، وإنا قومٌ نأبى أن نؤتى نياماً، فنأتي الموت، نلقى به الأعداء، فإن وقعنا عليه فقد اخترناه، وإن وقع علينا استقبلناه واقفين شامخين شاكرين إياه، فوحده الموت يبعث حياة اللقاء باللطيف الحبيب، من لا يُظلم عنده أحد. أيها الناس، من كان بين جنباته ولو قليلاً من الشرف والعزة، فإنه ينتفض كالمذبوح، مفضلاً الفناء على أن ينهزم لحفنة من القاذورات (الصهاينة). نعم لقد دسناهم بأقدامنا، مرّغنا أنوفهم بالتراب، مزقناهم إرباً، إنهم أكثر المخلوقات جبناً، ألم تسمعوا عويلهم كالثكلى، بئس كل من يهزم لمثلهم، بئس كل من يجبن عن حربهم... إن دماء شهداء حزب الله ستبقى تطوق أعناق كل الخائفين، كل المترددين، كل المشككين...».