محمد الحسيني
وقف صديقي بجانبي حزيناً وحانقاً.. هو الذي لا ينتسب إلى أي حزب أو تنظيم، ولا يؤيد أي تيار سياسي لبناني، لأنه يعتبر أن فسيفساء السياسة والأمن في لبنان
عصيّة على الفهم والتدبير.. وقف حزيناً وحانقاً وهو يتابع مشاهد تشييع مجاهدي المقاومة الإسلامية الذين استشهدوا في القنيطرة على يد العدو الإسرائيلي،
وسألني متنهّداً: "ألم ينتبه الشباب؟ هم كانوا على مقربة من
"إسرائيل" والمنطقة خطرة جداً هناك.. من المؤكد أنها ضربة قوية تلقاها حزب الله.. أنا لست مع حزب الله كما تعرفني ولكنني لا أنكر عدائي لإسرائيل".
ابتسمت وسألته إن كان جاهزاً لتلقّي مطالعة منطقية - وهو الأكاديمي المؤمن بالقواعد العلمية - ولشرح بسيط ومبسّط لمعادلة فعلية يراها الناس ويعرفونها ولكن
لا يلتفتون إليها غالباً.. أجابني بلهفة،
وكأن كلماتي استفزت عقله: "كلي آذان صاغية.. تفضل". سألته:
ما هي الدول والجهات التي تهادن "إسرائيل" أو تدعمها وتعمل على ضرب المقاومة في لبنان وفلسطين؟ أجاب:
أميركا وإسرائيل وأوروبا ومعظم الدول العربية والدول التي لها مصلحة اقتصادية وسياسية مع هؤلاء.
قلت: إذاَ.. إن أردنا أن نجري حساباً عددياً لهؤلاء لوجدنا أن هناك ما يفوق خمسين دولة في قارات أميركا وأوروبا وآسيا إلى جانب أوستراليا ومعظم الدول
العربية في أفريقيا وآسيا.. ما عدا المتفرقات.
ارتسمت أولى علامات التعجّب على وجه صديقي.. عدت وسألته: ما هي المجالات التي يعمل بها هؤلاء لضرب المقاومة وحركاتها؟ أجاب: هي أهداف
عسكرية وأمنية واقتصادية بشكل أساسي. قلت: أنت تعلم أن الدول الكبرى في أميركا وأوروبا تعمل على دعم الترسانة الإسرائيلية وتسليح الدول العربية التي
تسير في فلكها، كما تعلم أن النفط العربي ومقدّرات الشعوب العربية والإسلامية وثرواتها باتت كلها رهن القرار الأميركي والأوروبي. وأنت تعلم أن هذه
الدول تسخّر أجهزة استخباراتها وتنسّق فيما بينها لرصد وضرب حركات المقاومة. كما تعلم أن الولايات المتحدة الأميركية لا تسمح لأي اقتصاد في العالم أن
يؤثر سلباً على معادلاتها الاقتصادية، بل هي تعمل على تكريس دولنا العربية والإسلامية كساحات استهلاك.. قاطعني صديقي: نعم أعلم كل هذا وهذا واضح..
ولكن أوصلني إلى الخلاصة.. عاودت الابتسام وسألته: هل تعلم كيف تعمل هذه الدول على تحقيق أهدافها؟ قلّب صديقي شفتيه.. فأكملت: إن أي هدف هو
عبارة عن فرد أو مجموعة، مؤسسة أو مبنى، منطقة أو مساحة جغرافية محددة. وأجهزة الاستخبارات تعمل بواسطة الكثير من الوسائل.. تخيّل أن عشرات
الأقمار الصناعية تراقبك على مدى الثواني وتنسّق فيما بينها لأجل هدف واحد! تخيّل أن شبكة الانترنت التي تستخدمها مراقبة! وهاتفك مراقب! تخيّل
عشرات الجواسيس والعملاء الذين باعوا ضمائرهم يراقبونك ويحصون حركاتك وسكناتك! تخيّل أن طائرات المراقبة الإسرائيلية تصول وتجول يومياً وعلى
مدار الساعة وهي تجوب الفضاء اللبناني والعربي من دون حسيب أو رقيب! ألا تدرك أنك محارب في معيشتك ولقمة عيشك؟! ألا تدرك أنك محارب في
مناهج علمك وثقافتك وفكرك؟! ألا تدرك أن هؤلاء يعملون على هزيمتك في نفسك وقرارك وتوهين شخصيتك؟! ارتعد صديقي قليلاً وزاغ نظره. ابتسمت
أيضاً وقلت: تريد الخلاصة؟ أومأ برأسه بالايجاب، فقلت: تخيّل يا صديقي أن هذا العالم المستكبر يسخّر اقتصاده وماله وجنوده وترسانته واستخباراته
وأقماره الصناعية وعملاءه من الأفراد والمجموعات والدول، وينشئ التيارات لضرب قوتك ومقاومتك وتحوير فكرك وثقافتك ودينك.. فهل ما زلت تستغرب
إذا استشهد هؤلاء المجاهدون؟ هدأ الصديق الغيور.. وأكملت: وعلى الرغم من كل ذلك ها هو حزب الله يهزمهم كل يوم، وها هي المقاومة الاسلامية تسطّر
الانتصار تلو الانتصار في ساحات المواجهة كلّها.. وما هؤلاء الشهداء إلا مشاعل النور التي تضيء الطريق، وترسم دروب العزة والاقتدار.. والتاريخ يشهد..
استدار صديقي مستئذناً للذهاب، ثم التفت وقال:
لن يستطيع أحد أن يهزم حزب الله..
لأنه معجزة صنعها الله..