كانت المرأة في الجاهلية الجهلاء مظلومة جداً، وكأنّها ليست بنتاً لهم أو أختاً أو أمّاً، بل اعتبرت وكأنها ـ والعياذ باللّه ـ جرثومة لابدّ أن تقتل وتباد وهي في مهدها، مهد الطفولة البريئة وهذا ما كان يعرف بوأد البنات.
كما أنّهم كانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى ويرونه عاراً عليهم، وإنّ من اُخبر بولادة أنثى له تكون حاله على صورة بشعة كما يصورها لنا القرآن الكريم.
قال تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }.
كما أنّها جعلت سلعة تباع وتشترى لمجرد إشباع الغرائز والشهوات وكأنها كائن لا إحساس له ولاشعور، واستمر إلى يومنا هذا في المجتمعات الكافرة حيث أن دعاة التحلل وحرية المرأة المزعومة إنّما قصدوا أن يخضعوا المرأة لشهواتهم في أدنى صورها بما يذهب بكرامة المرأة.
ولنا العبرة بما يجري في تلك المجتمعات من أحداث جسام مهولة في كلّ يوم بين الشباب، وبين الرّجال والنّساء المحصنات والأبكار، وما يجري في الإحتفالات ومجالس الرقص، وغير ذلك مما ينزّه عن ذكره القلم واللّسان المتأدبين بأدب الدّين الحنيف.
ومع الأسف إنّ ذلك الزخرف من القول لقي هوىً عند المرأة المعاصرة (لأن ظاهره مطالبةٌ لصالح المرأة وحقوقها في حين إنما أريد لها أن تخرج من خدرها وصونها وكرامتها إلى أن تكون مبذولة لهم).
فمن يا ترى أراد للمرأة الخير؟ هل الوثنية الغربية التي أفقدت المرأة كل مقومات الكرامة ؟ أم الإسلام الّذي أراد لها كلّ العزّ والستر سيّدةً في بيت الزوجية، راضية مرضيّة عند ربّها.
نعم جاء الإسلام، دين الرأفة والرحمة وانتشل المرأة وهي طفلة بريئة من براثن القتل، فقال تعالى: { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) }.
حقّاً !!! أيّ ذنب لهذه الطفلة البريئة حتّى تؤخذ من حضن أمها الدافئ الحنون وتوضع تحت أطباق الثرى تعالج سكرات الموت بتلك الصورة البشعة المذهلة، فالمرأة مدينة للإسلام العظيم بهذا الإنقاذ الرحيم، فعليها أن تحفظ له تلك اليد البيضاء بمحافظتها ونصرتها لدينها، عن طريق الالتزام الكامل بكلّ الأحكام الشرعيّة، وفاءً منها إليه.
كما قام الإسلام بإسداء الدور الكبير للمرأة في بناء المجتمع والمساهمة في مجالاتها المتعددة بتهيئة وتربية الأجيال ولذا أوكل إليها تكاليف كما أوكل إلى الرجل تكاليف فقد تجتمع وقد يختص أحدهما بتكليفه الخاص وهذا الفرز هو النتيجة الحتمية لاختلاف الطبيعتين في بعض الظواهر الجسدية وأيضاً النفسية ذات الأحاسيس اللطيفة والعواطف الرقيقة الًتي لا غنى للمجتمع عنها.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) }.
والإسلام العظيم أراد للمرأة الكرامة والستر، أليس اللؤلؤ الثمين بين صدفتين؟ وجَعَل المرأة دُرّةً ثمينةً لا تباع ولا تشترى، ولن تكون ثمينة إلاّ بسترها وعفتها لأن المعدن الثمين هو الأقل وجوداً أمّا المبذول فإنّه ليس بالعزيز الغالي.
فعلى المرأة أن تكون عفيفةً غاليةً، فهذه سيدة النساء وقدوة الأمّة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) يقول لها أبوها النبي محمد (صلى اللّه عليه وآله): أي شئ خير للمرأة؟ فتجيب صلوات اللّه وسلامه عليها: (أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل).
وعندما توجّهت سيّدة النّساء للمسجد تطالب بحقها وتقيم على القوم الحجّة الدامغة، ذهبت مع مجموعة من نساء قومها رعايةً للستر والعفاف، وعندما دخلت المسجد جعل وضرب بينها وبين الرجال بستر وحاجز كمالاً وعفّةً وستراً.
فلقد روى عبدالله بن الحسن عليه السلام باسناده عن آبائه عليهم السلام انه لما اجمع ابوبكر على منع فاطمه (عليها السلام) فدك و بلغها ذالك لاثت خمارها على راسها و اشتملت بجلبابها و اقبلت فى لمته من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة.
فجلست ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء فارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيئة(1) حتى إذا سكن نشيج(2) القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد اللّه والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلمّا امسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام): الحمد للّه على ما انعم ... إلى آخر الخطبة المشهورة.
وعلى الأخت المؤمنة أن تلتفت إلى فعل سيّدة النّساء(عليها السلام) ، حيث نلاحظ في النّص السابق نقاط خمس لها علاقة بموضوعنا لابدّ أن نلتفت إليها وهي:
الأولى: لاثت خمارها: أي لبست حجابها الّذي يغطّي وجهها، الساتر لها.
الثانية: اشتملت بجلبابها: وهو ما يغطي كلّ جسدها ولا يظهر منه شيء.
الثالثة: أقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها: أي أقبلت في جماعة من النساء حتّى لا يميّزها النّاظر ويعرفها، وإن كانت في تمام حجابها.
الرابعة: تطأ ذيولها: أي يقع طرف ثوبها أسفل قدمها حال مشيها من طول لباسها وحجابها زيادةً في التحفظ والستر.
الخامسة: فنيطت دونها ملاءة: أي وضع ستار وغطاء بينها وبين القوم مبالغة في العفّة مع كونها متحجّبة.
وبعد هذا الفعل من سيّدة النساء (عليها السلام) لا يغرّ المرأة من يدّعي الدّين والعلم ويقول: إنّ المرأة تخرج في محافل الرّجال وتباشر دورها معهم.
نعم ... إذا كان خروج المرأة بالزي والحجاب الّذي خرجت به سيّدة النساء وهي تعطي دروس العفاف والسّتر، ويكون خروجها لمثل الهدف السّامي الخطير الّذي خرجت من أجله الزّهراء (عليها السلام) فهنيئاً لها الإقتداء بسيّدة النّساء (عليها السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)انتظرت وقتاً يسيراً.
(2)بكاؤهم.
المصدر:حجاب المراة
علي عيسى احمد