الإمام موسى الكاظم (ع) هو الإمام السابع بين الأئمة الإثنا عشر وقد خلف والده الإمام جعفر الصادق (ع)بالإمامة. أمه السيدة حميدة البربرية التي ربما كانت من الأندلس أو من المغرب ويقال لها أيضاً حميدة المصفّاة.
ولد الإمام موسى بن جعفر (ع) في السابع من صفر سنة ثماني وعشرين ومائة للهجرة بالأبواء بين مكّةوالمدينة وكان اسمراً، شديد السمرة, ، معتدل القامة، كث اللحية, حسن الوجه، نحيف الجسم، له هيبة و جلال.استشهد مسموماً على يدي هارون الملقب بالرشيد في بغداد و هو مدفون أيضاً هناك في محلة تسمى بالكاظمية.إمامته بعد والده استمرت 35 سنة. كانت كنية الإمام موسى الكاظم أبو إبراهيم و أبو الحسن و أبو علي و يلقب بالعبد الصالح. لقبه الإمامي الدي كان يميز شخصه المقدس هو الكاظم.
ترعرع الإمام موسى الكاظم (ع) خلال عشرين سنة تحت رعاية والده الإمام الصادق (ع) الدي كان يتخلى بأخلاق و فضائل الأنبياء. مع أن الإمام الكاظم (ع) هو الابن الثالث للإمام الصادق انتقلت إليه الإمامة حسب ما أمر الله و رسوله محمد (ص).
الوضع السياسي في ذلك الوقت كان حرجاً جداً. فقد لوحق أصحاب الإمام و عائلته بشكل شديد. المنصورالعباسي أمر وقتها حاكمه في المدينة أن يقتل خليفة الإمام الصادق (ع). الإمام الصادق (ع) الذي كان محيطاً بهمجية المنصور العباسي لجأ إلى حيلة في الوصية قبل وفاته . حيث أنه لما قام والي المدينة بتفتيش بيت الإمام، عثر على الوصية وقرأها، وكان مضمونها أنّ الإمام يوصي من بعده لخمسة أشخاص هم: المنصور نفسه، والوالي محمد بن سليمان، وولداه موسى الكاظم وعبد الله الأفطح، وزوجته حميدة.
حار الوالي في أمره، وأرسل للمنصور يعلمه بمضمون الوصية ويطلب تعليماته. لكنّ المنصور كان أكثر منه حيرةً وذهولاً، بعد ما رآه من ذكاء الإمام الصادق (ع) وسعة إدراكه، وعرف أنّه عليه السلام قد حسب لكل شيءٍ حسابه، وقال آسفاً: ليس إلى قتل هؤلاء من سبيلٍ.
في أول عشر سنوات من حكمه كان المنصور مشغولاً ببناء مدينة بغداد كعاصمة له و لحكمه. في هذا الوقت كان منشغلاً بذلك عن الإمام الكاظم (ع) و لكن ما لبث فيما بعد أن صب جام تسلطه و عنفه على الإمام و أتباعه.
عايش الإمام موسى الكاظم (ع) أربع خلفاء عباسيين استخدموا كلهم العنف الهمجي ضده. حتى أن المدرسة التي كان يعلم بها والده (ع) لم يكن من الممكن الاحتفاظ بها. و صارت الطريقة المثلى التي كان الإمام الكاظم (ع) ينشر بها تعاليم النبي محمد (ص) هي معايشته الكمالية للناس و حضوره اللانظير له في الكمال و الأخلاق. و كان هارون الرشيد آخر من عاصره الإمام موسى الكاظم (ع) و بنفس الوقت كان هارون أعنف و أقسى ملوكبني العباس على الإمام (ع) و أتباعه. و لعل لقب الكاظم إن دل على شيئ فإنما يدل على ما كان يعانيه الإمام الكاظم (ع) من ظلم و اضطهاد حتى أن أتباعه كانوا يلقبونه بألقاب عدة لشدة السرية التي كانوا يعملون بها لحفظ أرواحهم من بطش هارون و جلاوزته. و قد قضى الإمام الكاظم (ع) فترة طويلة في سجون بني العباس تصل حسب بعض الروايات إلى خمسة عشرة سنة في فترات متقطعة كان آخرها سجنه في عهد هارون الذي استمر أربع سنوات في غياهب السجون. كان الإمام الكاظم (ع) يتصل بشيعته وأهل دعوته من السجون التي يتناقل فيها ، ويأمرهم بأمره ، كما أنه كان يجيب عن مسائلهم السياسية ، والفقهية عبر قنواته السرية و خاصة أن هاروناحتار في أمره لأن مدراء سجونه كانوا يعانون من تأثيره الإيجابي على السجناء و السّجانين فيتملك قلوب بعضهم أو الكثيرين منهم فيطلب جلاوزته من هارون نقله إلى سجن آخر لرفع المسؤولية عنهم. فما كان منهارون إلا أن قرر في النهاية أن يسجنه في أعتى سجن عند قائد شرطته السندي ابن شاهك و الذي دس له السم في النهاية بأمر هارون الرشيد في السجن لأن الإمام كان حتى و هو في ظلمات السجون نوراً يشع رغم أنف الطغاة. و بذلك استشهد الإمام الكاظم في السادس من رجب في سنة ثلاثة و ثمانين بعد المئة للهجرة عن عمر ناهز الخمسة و الخمسين عاماً.
الامام موسى بن جعفر (ع) تجمعت فيه العبادة والزهد والكرم والسخاء وقضاء الحوائج للناس ,وكانت قدراته لاتحصى منها حلمه وعلمه وكظمه الغيظ .
و أنه كان يصلى نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس. ومن دعائه اللهم انى أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب .
و كان يبكى من خشيه الله حتى تخضل لحيته بالدموع. و كان أوصل الناس لأهله و رحمه، و كان يفتقد فقراء المدينة فى الليل فيحمل إليهم فيه العين, والورق, والتمور، فيوصل إليهم ذلك، و لا يعلمون من أي جهة هو.
من وصية له (عليه السلام) إلى بعض ولده:
يا بني اياك ان يراك الله في معصية نهاك عنها، واياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بهاـ، وعليك بالجد، ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته، واياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك، ويستخف بمرؤتك، وإياك والضجر والكسل، فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة.
من وصية له (عليه السلام) لبعض شيعته:
أي فلان اتق الله وقل الحق وان كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك، أي فلان اتق الله ودع الباطل وان كان فيه نجاتك، فان فيه هلاكك.
من وصاياه (ع) :
اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال، ومالا يثلم المرؤة وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.
تفقهوا في الدين، فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة، والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العباد، كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا.
وقال (عليه السلام): اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الاخوان، والثقات، الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها لذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات.
قال (عليه السلام): وجدت علم الناس في أربع: أولها: أن تعرف ربك، والثانية: أن تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة أن تعرف ما يخرج من دينك .
عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) قال: عليكم بالدعاء; فإن الدعاء والطلب الى الله عز وجل يردّ البلاء وقد قدر وقضى فلم يبق إلاّ إمضاؤه، فإنه إذا دعا الله وسأله صرف البلاء صرفاً .
وروي أنه مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر71,فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا، ثم عرض (عليه السلام) عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له، فقيل له : يا ابن رسول الله أتنزل الى هذا ثم تسأله عن حوائجك وهو إليك أحوج ؟ فقال(عليه السلام) : «عبد من عبيد الله وأخ في كتاب الله وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم(عليه السلام) وأفضل الأديان الإسلام ولعلّ الدهر يردّ من حاجاتنا إليه، فيرانا ـ بعد الزهو عليه ـ متواضعين بين يديه.
كان له عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى :
علي بن موسى الرضا عليه السلام ، وإبراهيم ، والعبّاس ، والقاسم و أمهم السيدة تكتم. وهي تكتم الطاهرة ـ (أم البنين) أم الإمام الرضا (ع).وجاء في كتاب تراجم الشيعة : (تكتم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح التاء الفوقانية قبل الميم. وقال الشيخ الصدوق (قدس سره ) : هكذا تسمى باسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر عليهم السلام وهي أم ولده الإمام الرضا (ع)، كانت من أشراف العجم جارية مولدة وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها مذ ملكتها إجلالاً لها. فقالت لابنها موسى عليه السلام: يا بني، إن تكتم أفضل مني، ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك، فاستوص خيراً بها.
وذكر الشيخ عباس القمي في كتابه (الأنوار البهية) أن أم الإمام الثامن الضامن المأمول المرتجى مولانا أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هي أم ولد يقال لها أم البنين، واسمها نجمة ويقال لها تكتم أيضاً، اشترتها حميدة المصفاة أم موسى (عليه السلام) وكانت أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها .
روي أن السيدة حميدة رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى (عليه السلام) فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض، فوهبتها له، فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة.
و أولاده أيضاً:
أحمد ، ومحمد ، وحمزة ، لاُمّ ولد .
وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسين ، و أمهم أمة محررة .
وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وسليمان ، و أمهم أمة محررة أُخرى .
وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقيّة ، وحكيمة ، واُمّ أبيها ، ورقيّة الصغرى ، وكلثم ، واُمّ جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعليّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، وميمونة ، واُمّ كلثوم و أمهاتهم إماء محررة عدة .
وكان أحمد بن موسى كريماً ورعاً ، وكان موسى عليه السلام يحبّه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة ، ويقال : إنّه أعتق ألف مملوك .
وكان محمد بن موسى عليهم السلام صالحاً ورعاً . عن اأبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى ، عن جده قال : حدثتني هاشمية مولاة رقية بنت موسى قالت : كان محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كله يتوضأ ويصلي ويسمع سكب الماء ، ثم يصلي ليلا ثم يهدأ ساعة فيرقد ، فيقوم ويسمع سكب الماء والوضوء ، ثم يصلي ليلا ، ثم يرقد سويعة ثم يقوم فيسمع سكب الماء والوضوء ثم يصلي ، ولا يزال ليله كذلك حتى يصبح ، وما رأيته إلا ذكرت قول الله عز وجل " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون .
وكان إبراهيم بن موسى شجاعاً كريماً ، وتقلّد الإِمرة على اليمن في أيّام المأمون من قبل محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ومضى إليها ففتحها وأقام بها مّدة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ له الأَمان من المأمون .
وكان حمزة بن موسى بن جعفر عالما فاضلا كاملا دينا جليلا رفيع المنزلة عالي الرتبة عظيم الحظ والجاه والعز والابتهال ، محبوبا عند الخاص والعام ، سافر مع أخيه الرضا " ع " إلى خراسان.
ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسى عليه السلام فضل ومنقبة ، وكان الرضا عليه السلام مشهوراً بالتقدّم ونباهة القدر ، وعظم الشأن ، وجلالة المقام بين الخاصّ والعام.