الجزء السابع - صراع مصيري

الجزء السابع - صراع مصيري


تجاوزنا معبر المرصاد المحفوف بالمخاطر ، وتقدمنا حتى بدا من بعيد هيكل أسود مذهل يتوسط الطريق ، ولما تقدمنا أكثر ظهر أنه معروف لدينا ولما اقتربنا أكثر عرفته جيداً ، إنه الذنب لكنه أصغر من ذي قبل وأكثر نحولاً ويرتدي زياً غريباً .
سرت خطوات إلى جانب ( حسن ) ، لقد كان وجهه – الذنب – مكفهراً ورائحته كريهة متنكباً سيفاً حاداً وينظر إليّ بعيون ناقمة .
توقف ( حسن ) وكنت أقف خلفه وأخذ الخوف يخيم على قلبي شيئاً فشيئاً .
نظر إليّ ( حسن ) برأفة ووضع يده على كتفي وقال : استعد للصراع مع الذنب !
استحوذت عليّ الدهشة وقلت : صراعٌ مع من ؟ 
نظرت إلى الذنب وأعدت سؤالي : مع الذنب ؟
قال : نعم ، مع الذنب .
دخلني الرعب والاضطراب وعرق جبيني ، ولما عرف ( حسن ) بالخوف الذي انتابني قال : في هذه الرحلة وفي هذا المكان لا خوف على أولياء الله .
استلهمت الصلابة من حديث ( حسن ) فنظرت إليه وكان في يده سيف بتار فقلت له : من غير الممكن خوض صراع بيد خالية أمام عدو شهر السيف بوجهي .
قال : لا عليك فإن نفس ذلك الملك الذي أعانك مرات ومرات سيأتي ليجهزك .
قلت له : وما هو دورك في هذا الصراع ؟
تأمل قليلاً وقال : سأحدّثك عن عدوك وإعدادك وتشجيعك ، ثم صافحني وقال : بعد أن يئس الذنب من إضلالك والإيقاع بك في الطرق الفرعية والمرصاد هاهو يقف أمامك الآن للمرة الأخيرة وبكل قواه متصوراً أنه ربما يقضي عليك وقد جاءك هذه المرة بثوب الدنيا شاهراً سيف الشهوات ، فعليك الحذر من أسنان سيفه فكل واحد منها يمثل واحدة من الشهوات . وهي حادة وجارحة وإذا ما تمكنت واحدة منها من بدنك فإننا سنواجه صعوبة في بلوغ مقصدنا .
الذنب واقف وسط الطريق ويراقب تصرفاتنا ، و ( حسن ) ألقى ببصره مرة ثانية نحو الأعلى ، وأنا أيضاً توجهت ببصري نحو تلك الجهة لمحت من بعيد ذلك الملك المغيث بدا محلقاً ، وبطرفة عين حلّق فوق رؤوسنا ثم سلم وأعطى ( حسن ) سيفاً وثوباً قتالياً ودرعاً وخنجراً ثم غادر .
لما رأى الذنب ذلك تحرك من مكانه قليلاً وبدا الخوف على وجهه القبيح ، والتفت إلى ( حسن ) مسروراً وقلت له : إن عدتي تفوق عدة الذنب ، ثم سألته : هذه الآلات ثمرة أيّ من أعمالي ؟
كان ( حسن ) يهز السيف في يديه فقال لي : هذه ثمرات الأعمال التي قمت بها في الدنيا ، فالسيف ثمرة دعائك ومناجاتك ، ثم قال وهو يلبسني الثوب : وهذا علامة التقوى في الدنيا ، وقوته ترتبط بقوة تقواك .
ولما ارتديت لامة الحرب وأخذت السيف بيدي وفي الأخرى أمسكت بالدرع ، قال : وهذه ثمار صيامك ، ثم قبلني ( حسن ) وشحنني بالقوة والصلابة ببسمته المليحة ثم قال لي : لا تخف أبداً ، فإنك ستقضي عليه بضربة واحدة ، هززت رأسي مؤيداً كلامه وتوجهت نحو الذنب الذي شهر سيفه وأخذ يرتجز قائلاً : إنني أبرز إليك نيابة عن الدنيا والشيطان ولن أدعك تجتاز هذا الطريق وسوف أهجم عليك بسيفي هذا من بين يديك ومن يمينك وشمالك ومن أمامك وخلفك ، وسأنزل ضرباتي الماحقة على رأسك ، ثم التفت إلى يمينه وقال : إن كنت تريد مني أن أتركك فاخرج من هذا الطريق واحملني على ظهرك ثم أشار بإصبعه وقال : كما يفعل ذاك الشخص ، فلما نظرت رأيت شخصاً حاملاً ذنبه على ظهره ويمشي بخطوات بطيئة جدا . هنا أدركت أنها إحدى خدع الذنب يريد بها تحطيمي في هذا الوادي ويمنعني من بلوغ مقصدي ، فصحت به : هيهات : سوف أقارعك ولن أخضع لك ذليلاً.
وفي تلك اللحظة شعرت بسيف الذنب وهو يهوي على رأسي فرفعت الدرع فوق رأسي فكانت ضربته قوية بحيث أن واحدة من أسنانه نفذت فأصابت رأسي ، وهويت بسيفي على خاصرة الذنب فولّى هاربا صارخا مولولا ، ثم باشرت بعلاج جرحي وإذا بـ ( حسن ) يصرخ بي : احذره فقد جاءك من الخلف ، فرجعت فجأة إلى الخلف وفاجأته بضربة ثانية على خاصرته الأخرى فتقهقر .
استمر الصراع بهذه الحالة وأنزلت بالذنب عدة ضربات أخرى ، فيما كان يهاجمني يمينا وشمالا وهو يلهث ، ففاجأني بضربة فرقت درعي وأصابت بدني ، ولكن مازلت أنا بطل الميدان بفضل ما يقدمه ( حسن ) من تشجيع لي .
وبين الحينة والأخرى أسمع صوت ( حسن ) وهو يقول : ثمن الجنة القضاء على الذنب ، ومن هذا الكلام ازدادت معنوياتي ، كان الوقت يمضي والذنب يصاب بالإرهاق ويزداد تعبه حتى سقط على الأرض وسط الطريق فقد أرهقته شدة الجراح لكنه لم يزل يحاول إعاقة عبوري .
تقدمت عازما على إنزال الضربات الأخيرة على رأسه فلحق بي ( حسن ) وسلمني الخنجر الذي بيده اليمنى وقال : بهذا الخنجر فقط بإمكانك الخلاص من شرور الذنب إلى الأبد ، وفي تلك اللحظة فهمت أنني دخلت ميدان الحرب بلا خنجر ، فأخذت الخنجر وأنا أمعن النظر به وقلت : عجبا لك من آلة نافعة ! هل بإمكانك أن تفصح ... فقطع كلامي وقال : لعلك تريد أن تعرفني نتيجة أي من أعمالك ؟
قلت : نعم ، فقال : إنني نتيجة الصلوات التي كنت ترسلها على النبي وآله في الدنيا ، فهي قوية بحيث إنها تستطيع القضاء على الذنب .
دنوت من جثة الذنب شبه الهامدة وغمست الخنجر في بدن الذنب وابتعدت عنه مباشرة ، فكان بدنه يكبر ويزداد حجمه وكنت أشعر بالسرور لأنينه ، وبعد قليل انهار جسد الذنب محدثا صوتا مهيبا وتناثرت أشلاؤه هنا وهناك في الوادي . فارتفع صوت ( حسن ) مسرورا فجاءني مسرعا وضمني إليه وهنأني بكل حرارة وقال : وأنا بدوري لم أخفِ فرحتي واحتضنته ولما انتهى عناقنا قال لي : لقد شفيت كافة جروحي تماما بالقضاء على الذنب ، ومن الآن فصاعدا سأبذل لك العون بكل نشاط وحيوية .
لقد كنت ناسيا جروح ( حسن ) وما أن سمعت كلامه هذا طرت فرحا وهنأته على ذلك وضممته إليّ . وأخيرا فتح الطريق أمامنا فواصلنا طريقنا يحدونا الأمل والسرور .


بشرى الشفاعة 

كنت أضج أحيانا من الجراحات التي برأسي وبدني ، ولقد كنت غافلا عنها بسبب اندفاعي لمقارعة الذنب وللفرحة التي أعقبتها ، وكنت أخشى أن تعيقني عن مواصلة الطريق .
لم نقطع من الطريق إلا قليلا فجلست على الأرض وطلبت من ( حسن ) شيئا من الاستراحة ، فرجع إليّ وقال : الوقت قليل فلا بدّ من المسير بأيّ نحو كان .
قلت : أما تراني لا أقدر ؟
وكعادته في مواساته لي ، تقدم نحوي وقال : ليت تقواك أكثر من هذا بقليل لاستطاع درعك دفع الضربة التي نزلت عليه كسائر الضربات . ألقيت بنظرة على الدرع ، والألم قد سلب مني الراحة ثم قلت : العجب لهذا الدرع الذي لم يستطع المقاومة أمام تلك الضربة رغم ضخامته . فأجابني ( حسن ) مباشرة ، إنك لم تصم سنة كاملة بعد بلوغك ، أما بقية الأيام فإنك ربما أذهبت أثرها بأعمال غير مرضية .
استولت عليّ الحسرة والندامة والخجل ، فأخذ ( حسن ) بيدي وأنهضني من الأرض وقال : لو استطعت الوصول إلى وادي الشفاعة فهنالك أمل في مواصلتك الطريق مشافى وبسهولة : كان اسم الشفاعة معروفا لديّ كثيرا ومبعث تفاؤل لي في الدنيا ، لذا فقد أسرعت بالسؤال : أين هذا الوادي ؟ فأشار ( حسن ) إلى الأمام وقال : إلى الأمام قليلا ، ثم واصل قائلا : إن الشفاعة تتعلق بالقيامة الكبرى لكنك تستطيع الآن أن تفهم إن كنت من أهلها أم لا ، فإن بشروك بها فإنك ستستلهم روحية جديدة وتطوي بقية الطريق بكل يسر .
كنت أحيط بيدي على رقبة ( حسن ) ونواصل طريقنا بصعوبة بالغة . وحين مسيرنا قلت لـ ( حسن ) : لو كنت أستطيع العودة إلى الدنيا لأخبرت أهلها : إن خير الزاد التقوى . فهز ( حسن ) رأسه وقال : وهو كذلك بالطبع ، ثم سكت ولم أعد أقدر على مواصلة طريقي إذ عمّ الألم جميع كياني فطلبت من ( حسن ) العون فحملني على كتفيه وسار . وأنا في تلك الحال قلت له : أتستطيع حملي على ظهرك حتى نصل وادي السلام ؟
قال : لا إذن بالدخول لوادي السلام لمن ضربه ذنبه وجرح بدنه ، فأدركت أن لا مناص لي سوى أن تدركني الشفاعة وحسب .
أخذنا خطوة فخطوة نحو وادي الشفاعة يحدونا الأمل ، وأحيانا يقشعر بدني ويهتز كياني لئلا تدركني الشفاعة ، ولم يكن لديّ سوى ( حسن ) الذي يؤنسني في تلك الحالة .
أخذ المناخ يتحسن شيئا فشيئا فقد انخفضت درجة الحرارة ولم يبق من الدخان المتراكم في السماء سوى طبقة خفيفة وكنت أتجرع كل أنواع الألم والعذاب بغية الوصول إلى وادي الشفاعة . 
وأخيرا وصلنا مرتفعا يمر طريقنا من خلاله ، فتوقف ( حسن ) وقال : على الطرف الآخر من هذا المرتفع يقع وادي الشفاعة الزاخر بالبركة والخيرات ، وعندما وصلنا إلى أعلى هبّ نسيم عذب فألقى ، ( حسن ) بي على الأرض وقال : لنجلس هنا بانتظار بشارة الشفاعة ، فإذا ما نلت شفاعة أحد أو بالأحرى شفاعة المعصومين الأربعة عشر (ع) فإن جميع جراحك ستلتئم .
سررت كثيرا لعلمي بأنني كنت من أتباع مذهب أئمته أفضل الشفعاء بالنسبة لي . 
خطر إلى ذهني سؤال أقلقني فتوجهت إلى ( حسن ) فسألته : وإذا لم تنفع ؟ وكأن ( حسن ) لم يكن يتوقع مني هذا السؤال فأطرق برأسه ، فأعدت عليه السؤال مرعوبا أكثر من ذي قبل : وإن لم ينفعني علاج الشفاعة ؟ فأجابني ( حسن ) وهو مطرق الرأس : حينذاك ستصبح شقيا تعيسا .
اعترتني حالة الرهبة والاضطراب وأخذت أبكي دون وعي مني ، وكعادته في مواساتي ورأفته بي اقترب ( حسن ) مني وقال : لا تبك فإننا حيث قطعنا كل هذا الطريق فإننا سنقطع ما تبقى ببركة هؤلاء بفضل منزلتهم عند الله ، فلطفهم أكبر من أن يتركونا على هذه الحالة و....
هنا قُطع كلام ( حسن ) بسلام من أحد المعارف ، فالتفتنا نحو مصدر الصوت ، إنه ذلك الملك المغيث قد جاءني هذه المرة بمرهم الشفاعة لإنقاذي فقال هذا الملك وهو يسلم المرهم لـ ( حسن ) : هذه هدية وهي عبارة عن بشارة بالشفاعة من آل الرسول (ص) ثم ابتعد عنا محلقا بجناحيه ، فلم تعد الدنيا تلمني من الفرح وودّعت ذلك الملك بعيون مغرورقة بالدموع .
ولما وضع ( حسن ) الدواء على جروحي شعرت وكأن آلامي وضعفي التي كانت تخيم على كياني قد زالت ووقفت على قدمي مباشرة وفي هذه المرة ترقرقت عيناي بدموع الشوق وصرخت بصوت عال : السلام عليكم محمد وآله الطاهرين الذين يبذلون الشفاعة لمن يحبهم ، وإن الله لن يرفض شفاعتهم يوم القيامة أبدا . 
لقد كان صراخي جليا قويا بحيث وصل أسماع مجموعة من أهل وادي الشفاعة فجاءوني يهرعون وقالوا لي : ما الخبر ؟ سمعنا صوت فرح لا يطلقه إلا الحائزون على الشفاعة . فأجبتهم والسرور يملؤني : نعم ، لقد نلت البشارة بشفاعة آل محمد (ص) ، وضمدوا جروحي التي أصابني بها الذنب .
فقال لي أحدهم مهموما : وما عسانا فاعلون ؟ فهل هنالك من يشفع لنا ؟
قلت له : ولم تريدون الشفاعة ؟
قال : لا يؤذن لنا بالعبور .
فسألته متعجبا : ولماذا ؟
قال وهو يبكي : لقد أخبرنا الملائكة بأننا أفلحنا بالوصول إلى هنا ، لكننا من الآن فصاعدا بحاجة إلى بشارة الشفاعة ... هنا نادى عليّ ( حسن ) وطلب مني أن لا أضيع الوقت هدرا .
ونحن نسير سألت ( حسن ) : ما هو مصيرهم ؟ فرد علي : لا تفكر بهم ، فلكل واحد نصيب من الانتظار لنيل الشفاعة ، فطائفة مثلك تطلب الشفاعة ، وآخرون كهؤلاء يطلبون الإذن بالعبور ، ومثل هؤلاء كانوا قد نسوا الله في الدنيا وأنكروا الشفاعة . وكانوا يتقاعسون عن إقامة الصلاة ، لكنهم حيث تعقدت أمورهم أخذوا يفكرون بالشفاعة .
لا زلنا نسير في وادي الشفاعة ، فألقيت بنظرة نحو أولئك المحتاجين وقلت لـ (حسن) : ليت الناس جميعا كانوا صالحين في الدنيا بحيث يستغنون عن شفاعة أي إنسان .
نظر ( حسن ) إليّ وقال كلا ، ليس كذلك فالجميع بحاجة إلى شفاعة محمد وآله (ص) ، فالبعض يحتاجون الشفاعة لدخول الجنة ، وآخرون يمدون أيديهم لنيلها لغرض بلوغ درجات أعلى فيها ، فدهشتني الحيرة لهذا الكلام فلم أتكلم بعدها أبدا .
وبعد سكوت قصير واصل ( حسن ) حديثه حول أهل وادي الشفاعة فقال : البعض منهم لم يكونوا يقبلون أعذار إخوانهم المؤمنين ، وآخرون لم يكونوا يطعمون المساكين ، وطائفة أخرى كانوا يخوضون باللعب واللهو فكيف يشفّع بهم إن لم يذوقوا العذاب لعل رحمة الله تدركهم فيما بعد .
وأخيرا ودعنا وادي الشفاعة وواصلنا طريقنا بمزيد من النشاط والحيوية .


باب الولاية 

كنت أشعر بأنني أسير بخفة أكثر من السابق ، وكأنني أريد التحليق وأصل وادي السلام خلال لحظة واحدة ، نظرت إلى الأعلى فلم أجد أثرا للنار ، لكن طبقات خفيفة من الدخان كانت تلوح في الأفق لكنها كانت في طريقها إلى الزوال بإطلالة نور أبيض بهيج ، وكانت تطل علينا بين الحين والآخر أشجار خضراء زاهية ، كنا نطوي طريقنا بسرعة فائقة وقليلا ما كنا ننتبه إلى ما يدور حولنا .
كنا نواصل مسيرنا وإذا بنا نلمح عن بعد بابا يحتشد عندها قوم وقفوا ينتظرون ويحرسها ملائكة شداد أقوياء . وقفت عند الباب دون اختيار وأخذت أراقب الحراس والحشود الواقفة ، وبين الحين والآخر يسلم بعض الناس أوراقا خضراء للحراس فيعبرون من الباب ، فأدرت عيني نحو ( حسن ) الذي كان واقفا خلفي ويراقب تصرفاتي ، فسألته : ما الذي يحدث هنا ؟ أجابني : هذا خط السعادة فهو آخر نقطة من برهوت . ثم واصل كلامه بنبرة خاصة : هنا باب الولاية فمن عبرها نال السعادة الأبدية . قلت : وماذا تعني باب الولاية ؟
قال : لا يدخل وادي السلام إلا من تعلق قلبه في الدنيا بمحبة علي ( ع ) وآل النبي(ص ) . فيمنح مثل هؤلاء بطاقة الولاية ليعبروا من هذا الباب بيسر ويقتربوا من أبواب وادي السلام .
سررت كثيرا لسماعي اسم وادي السلام ، لكنني سرعان ما أخذت أفكر ببطاقة الولاية فتوجهت مرعوبا مضطربا إلى ( حسن ) وقلت له : لقد كنت في الدنيا محبا ومواليا لأهل البيت (ع) لكنني لا أمتلك بطاقة الولاية ، فأشار بيده إلى يمين الباب وقال : اذهب إلى تلك الخيمة الخضراء ، فتوجهت إليها على عجل ، فوجدت فيها رجلا يرتدي ثيابا بيضاء حسن الوجه وقد جلس في زاوية منها ويتحدث مع أحد البرزخين ، وكأن ذلك الشخص كان محروما من بطاقة العبور وهو الآن يتوسل للحصول عليها .
قال الرجل ذو الثياب البيضاء لذلك البرزخي : كما قلت لك عليك العودة إلى وادي الشفاعة عسى أن يدركك الفرج وإلا فإن مشكلتك أنت والواقفين في الخارج لا تحل هنا .
غادر البرزخي الخيمة مهموما ، فدخلت وألقيت السلام ثم جلست أمام ذلك الرجل العظيم ، فرد علي السلام ، وقبل أن أبوح بطلبتي تصفح دفترا كان أمامه ، وكانت رجلاي ويداي ترتجفان ، ولكن لم يطل بي المقام حتى امتدت يده نحوي وهي تحمل بطاقة خضراء ، ولما سلمني إياها تبسم بوجهي وقال : لقد بلغت السعادة فهنيئا لك .
وهكذا مررنا من باب الولاية وخلّفنا وراءنا المأمورين ومن لا ولاية لهم .


أبواب وادي السلام 

ألقيت ببصري إلى الأعلى . لا أثر للدخان والنيران ، وكل ما في الأجواء نور ، كلما تقدمنا إلى الأمام كانا يزدادا توهجا ، الأرض مستقيمة والخضرة واللطافة تشاهد في كل الأرجاء ، والفرح سلب مني الاستقرار، حتى ( حسن ) فقد شاهدته مسرورا بحيث لم أراه أبدا قد غرق بمثل هذا السرور والفرح قبل ذلك ، ودون وعي مني تقدمت ( حسن ) وأخذت أواصل طريقي مهرولا .
ابتعدنا قليلا عن باب الولاية فانشطر الطريق إلى ثمانية فروع ، لم أعرف ماذا أصنع ، وبأي اتجاه أسير ، توقفت حتى وصل ( حسن ) فاستفسرت عن مصيري ، وضع ( حسن ) يده على كتفي وقال : للجنة في يوم القيامة ثمانية أبواب واحدة للنبيين والصديقين وواحدة للشهداء والصالحين ، وواحدة للمسلمين من لم يضمروا العداء لآل البيت ( ع ) وخمسة أبواب للشيعة وأتباع أهل البيت ( ع ) ، ووادي السلام صورة مصغرة للجنة ونفحة منها . ثم أشار إلى أحد الطرق وقال : هذا هو طريقنا عجّل وتعال معي .
لم نتقدم شيئا فهب نسيم لطيف فعمّ الأجواء عطر دفعني لأن أقف وأتنسم عبائره دون وعي مني ، نظرت إلى وجه ( حسن ) الجميل الباسم قد تسمّر في وجهي ، فسألته : ما الأمر ؟ ولماذا تنظر إلي هكذا ؟ أجابني مسرورا : هذا عطر الجنة قد هبّ من وادي السلام وهو دليل على اقترابنا من المقصد وعليّ الذهاب الآن ، فاختفت البسمة عن ملامحي فسألته مضطربا : إلى أين تريد الذهاب ؟ ألم يكن القرار أن نكون معا إلى الأبد ؟ 
فتبسم ( حسن ) وقال : لا تخف لن أفترق عنك أبدا ولكن لابد من أن أذهب أمامك إلى وادي السلام لكي أهيئ دار السلام التي خصصت لك .
فسألته مسرورا : وأين هي دار السلام ؟
فأجاب : لكل مؤمن مستقر آمن واستقرار في وادي السلام تسمى دار السلام .
عمر فؤادي بالفرح وتفتحت شفتاي ببسمة غامرة ، ثم سألته : ما الذي عليّ أن أصنعه بانتظارك ؟
قال وهو يسير : واصل طريقك بتؤدة فإذا ما وصلت الباب ستجدني هناك .
سار ( حسن ) مسرعا وواصلت طريقي بنفس الاتجاه حتى لا ح أمامي من بعيد باب وادي السلام ، ضاعفت من سرعتي وكلما تقدمت إلى الأمام كنت أشاهد الباب يكبر أمامي ، وشيئا فشيئا كانت تبدو بالأفق أشجارا خضراء على جوانب الباب ، فقدتُ صبري فأخذت أسير راكضا ، في تلك الأثناء شاهدت ملائكة يحلقون باتجاهي فتوقفت إجلالا لهم ، ولما أصبحوا فوق رأسي قالوا معا : السلام عليك أيها العبد الصالح ، طوبى لك الجنة والسعادة ، فرددت عليهم قائلا: الحمد لله الذي لم يحرمني الجنة .
ودعني الملائكة وذهبوا ، عرفت أنني اقتربت من مقصدي ، أخذت أركض بسرعة حتى وجدت نفسي عند باب السعادة والرفاه أي وادي السلام.