وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

28/10/2014 10:52

روي عن رجل كوفي حداد ، قال : لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي - عليهما السلام - جمعت حديدا كان عندي ، وأخذت آلتي ، وسرت معهم ، فلما وصلوا وطنبوا خيمهم بنيت خيمة وصرت أعمل أوتادا للخيم وسككا ومرابط للخيل وأسنة للرماح وما أعوج من سنان أو خنجر أو سيف كنت بكل ذلك بصيرا ، فصار ربحي كثيرا وشاع ذكري بينهم حتى أتى الحسين - عليه السلام - مع عسكره ، فارتحلنا إلى كربلاء ، وخيمنا على شاطئ العلقمي .

فقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه ، وقتلوه وأنصاره وبنيه . 

وكانت مدة إقامتنا وارتحالنا تسعة عشر يوما فرجعت غنيا إلى منزلي والسبايا معنا ، فعرضت على عبيد الله - لعنه الله - فأمر أن يشهروهم إلى يزيد - لعنه الله - إلى الشام فلبثت في منزلي أياما قلائل .. 

وأنا بليلة راقد على فراشي ، فرأيت طيفا كأن القيامة قامت والناس يموجون على الأرض كالجراد إذا فقدت دليلها وكلهم دالع لسانه على صدره من شدة الظماء ، وأنا أعتقد بأن ما فيهم أعظم مني عطشا لأنه كل سمعي وبصري من شدته هذا غير حرارة الشمس يغلي منها دماغي والأرض تغلي كالقير إذا اشتعل تحته نار ، وخلت أن رجلي قد تعلقت أقدامها فوالله العظيم لو أنني خيرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لأشربه لرأيت شربه خيرا من عطشي . 

فبينما انا في العذاب الأليم ، والبلاء العميم وإذا أنا برجل قد عم الموقف نوره ، وابتهج الكون بسروره ، راكب على فرس ، وهو ذو شيبة قد حفت به ألوف من كل نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح .

 فمر كأنه ريح أو نسر أو فلك ، فمرت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أغر ، له وجه كتمام القمر ، تحت ركابه ألوف ، إن أمر ائتمروا ، وإن زجر انزجروا فاقشعرت الأجسام من لفتاته ، وارتعدت الفرائص من خطراته فتأسفت على الأول ما سألت عنه خيفة من هذا ، وإذا به قد قام في ركابه وأشار إلى أصحابه ، وسمعت قوله : 

خذوه...

وإذا بأحدهم قاهر بعضدي كلبة حديد خارجة من النار ، فمضى بي إليه فخلت كتفي اليمنى قد انقطعت ، فسألته الخفة فزادني ثقلا ، فقلت له : 

سألتك بمن أمرك علي من تكون ؟ 

قال : ملك من ملائكة الجبار . 

قلت : ومن هذا ؟ 

قال : علي الكرار . 

قلت : والذي قبله ؟ 

قال : محمد المختار . 

قلت : والذين حوله ؟ 

قال : النبيون والصديقون والشهداء والصالحون والمؤمنون . 

قلت : أنا ما فعلت حتى أمرك علي ؟ 

قال : إليه يرجع الأمر ، وحالك حال هؤلاء فحققت النظر ..

وإذا أنا بعمر بن سعد أمير العسكر ، وقوم لم أعرفهم وإذا بعنقه سلسلة من حديد ، والنار خارجة من عينيه واذنيه فأيقنت بالهلاك ، وباقي القوم منهم مغلل ومنهم مقيد ومنهم مقهور بعضده مثلي . 

فبينما نحن نسير وإذا برسول الله - صلى الله عليه وآله - الذي وصفه الملك جالس على كرسي عال يزهر أظنه من اللؤلؤ ورجلين ذي شيبتين بهيتين عن يمينه. فسألت الملك عنهما ، فقال : 

نوح وإبراهيم .

 وإذا برسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول:

ما صنعت يا علي 

قال : ما تركت أحدا من قاتلي الحسين - عليه السلام - إلا اتيت به .

فحمدت الله تعالى أني لم أكن منهم ورد إلي عقلي ، وإذا برسول الله قال : 

قدموهم ، فقدموهم إليه ، وجعل يسألهم ويبكي ويبكي كل من في الموقف لبكائه ، لأنه يقول للرجل : ما صنعت بطف كربلاء بولدي الحسين - عليه السلام - ؟ 

فيجيب : يا رسول الله أنا حميت الماء عليه ، وهذا يقول : أنا سلبته وهذا يقول : أنا وطأت صدره بفرسي ، ومنهم من يقول أنا ضربت ولده العليل ، فصاح رسول الله - صلى الله عليه وآله - : واولداه ، واقلة ناصراه وا حسيناه واعلياه هكذا جرى عليكم بعدي ، انظر يا أبي آدم ، انظر يا أخي إبراهيم ، اسمع يا أخي نوح ، كيف خلفوني في ذريتي ؟ 

فبكوا حتى إرتج المحشر ، فأمر بهم زبانية جهنم يجرونهم أولا فأولا إلى النار . 

وإذا بهم قد أتوا برجل ، فسأله فقال : ما صنعت شيئا ، قال : أما أنت بنجار ؟ قال : صدقت يا سيدي لكني ما عملت إلا عمود الخيمة لحصين بن نمير ، لأنه انكسر من ريح عاصف فوصلته . 

فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله - وقال : كثرت السواد على ولدي خذوه إلى النار فأخذوه وصاحوا : 

لا حكم إلا لله ولرسوله ووصيه . 

قال الحداد : فأيقنت بالهلاك فأمر بي فقدموني فاستخبرني فخبرته ، فأمر بي إلى النار ، فما سحبوني إلا وانتبهت ، وحكيت لكل من لقيته ، وقد يبس لسانه ، ومات نصفه وتبرأ منه كل من يحبه ومات فقيرا لا رحمه الله تعالى

 ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .



#عاشق_للشهادة